وكذلك أيضًا يُشترط «القصدُ»، وعلى هذا لو مخطئًا، وحصل منه خطأ، فهذا لاشيء عليه، لقول الله ﷿: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥].
كذلك أيضًا يُشترط «الاختيارُ»، وعلى هذا إذا أُكْرِه فإنه لا تقع منه الرِّدة، لقول الله ﷿: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل: ١٠٦].
[موانع تكفير المعين]
فلابد من توفر هذه الشروط، بل لابد مِنْ انتفاء الموانعِ في تكفير المُعيَّن، وأهمُّها:«الجهل، الخطأ، الإكراه، التأويل»، وهذه مِنْ أوْسع الموانع.
ويدل عليه قصةُ أسامة بن زيد ﵁(١)، فإنه قتلَ رجلًا لما رفعَ عليه السيفَ، قال: أشهد أنْ لا إله إلا الله، ثم ذُكِر ذلك للنبي ﷺ، فقال له النبي ﷺ:«يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ؟»، فقال: يا رسول الله، إنما قالها متعوذًا (٢)، قال ﷺ:«أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟»، فالنبيُّ ﷺ لم يقتل أسامةَ ﵁؛ لأنه كان بفعله متأولًا.
ومثل ذلك قصةُ خالد بن الوليد ﵁ مع بني جَذِيمةِ، وفيها قال النبيُّ ﷺ:
(١) روى البخاري في كتاب المغازي، باب بعْثِ النبي أسامةَ بن زيد إلى الحُرقات من جُهينة، (٤٢٦٩)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله، (٩٦)، عن أسامة بن زيد ﵄ قال: بعثَنا رسولُ الله ﷺ إلى الحُرَقَةِ، فصبَّحْنا القَومَ فهزمنَاهُم، ولَحِقْتُ أنا ورجلٌ مِنْ الأنصارِ رجلًا مِنهم، فلمَّا غَشِينَاهُ، قال: «لَا إلهَ إلَّا اللَهُ»، فكفَّ الأنصاريُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَال: «يا أسامةُ، أقتَلتَهُ بعْد ما قال: لَا إلهَ إلَّا اللَهُ»، قُلتُ: كان مُتعَوِّذا، فما زال يُكرِّرُها، حتى تَمنَّيتُ أنِّي لم أكُن أسلمتُ قبلَ ذلكَ اليومِ. (٢) في لفظ لمسلم: قال أسامةُ ﵁: يا رسولَ الله، إنما قالَهَا خوفًا مِنْ السلاحِ، قال ﷺ: «أفلا شققْتَ عنْ قلْبِه، حتى تعلمَ أقالَها أم لا؟».