وأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللّه [﵁] (١) -وإِن كَانَ قَرِيْبًا مَوْتُهُ- فَقَدْ تَقَدَّمَتْ إِمَامَتُهُ، ولم يَخَلِّفْ فِيْكُمْ شُبْهَةً، وإِنَّمَا أَبْقَاهُ اللهُ لِيُنْفَعَ بِهِ، فَعَاشَ مَا عَاشَ حَمِيْدًا، ومَاتَ بِحَمْدِاللّه مَسْتُوْرًا مَغْبُوطًا، يَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ خِيَارُ عِبَادِاللّه، الَّذِيْنَ جَعَلَهُمْ اللّهُ شُهَدَاءَهُ في أَرْضِهِ، ويَعْرِفُوْنَ لَهُ وَرَعَهُ، وتَقْوَاهُ، وزُهْدَهِ، وأَمَانَتَهُ في المُسْلِميْنَ، وفَضْلَ عَلْمِهِ، ولَقَدْ انْتَهَى إِلَيْنَا: أَنَّ الأئمَّةَ الَّذِيْنَ لَمْ نُدْرِكْهُمْ، كَانَ فِيْهِمْ مَنْ يَنْتَهِيْ إِلَى قَوْلهِ ويَسْأَلُهُ، ومِنْهُم مَنْ يُقَدِّمُهُ ويَصِفُهُ بالعِلْمِ، لَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّ وَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ كَانَ رُبَّمَا سَأَلهُ، وأَنَّ عَبْدَ الرَّحمنَ بنَ مَهْدِيٍّ كَانَ يَحْكِيْ عَنْهُ، ويَحْتَجُّ بِهِ، ويُقَدِّمُهُ في العِلْمِ، ويَصِفُهُ بِهِ، ونَحْوِ ذلِكَ مُنْذُ نَحْوِ ستِّينَ سَنَةً، وأُخْبِرْتُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَتْ أَكْثَرُ مَعْرِفَتِهِ بالحَدِيْثِ مِمَّا تَعَلَّمَ مِنْهُ.
ومِنْهُم: عبدُ اللّهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فِيْمَا أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عن عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثنا مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللّه، حدَّثَنَا عبدُ الله بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: قَالَ لِيْ أبِي: قَالَ لَنَا الشَّافِعِيُّ: أَنْتُم أَعْلَمُ بالحَدِيْثِ والرِّجَالِ مِنِّي، فَإِذَا كَانَ الحَدِيْثُ صَحِيْحًا فَأَعْلِمُونِي إِنْ شَاءَ أَنْ يَكُوْنَ كُوْفِيًا، أَو بَصْرِيًّا، أَوْ شَامِيًّا (٢) حَتَّى أَذْهَبَ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ صَحِيْحًا، قَالَ عَبدُ اللّهِ: وسَمِعْتُ أَبِي - وذُكِرَ الشَّافِعيُّ - فَقَالَ: ما استَفَادَ مِنَّا أَكْثَرَ مِمَّا استَفَدْنَا مِنْهُ، قَالَ عبدُ اللّهِ: وكلُّ شَيْءٍ في كِتَابِ الشَّافِعِيِّ: عَنْ هُشَيْمٍ وغَيْرِهِ، فَهْوَ عَن أَبِي.
(١) ساقط من (ط).(٢) تقدَّم مثلُ ذلك في ترجمة الإمام أحمد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute