١ - أَنَّ النُّصُوصَ الشَّرْعِيَّةَ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَذَلِكَ بِكَونِ الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ قَدْ تَضَافَرَتْ عَلَى أَنَّ التَّوَسُّلَ بِالصَّالِحِينَ كَانَ بِإِتْيَانِهِم؛ فَيَدْعُونَ لَهُم، وَيُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ قَولُهُ ﵎: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النِّسَاء: ٦٤] (١).
٢ - أَنَّ المُقَارَنَ بِهِ فِي التَّوَسُّلِ كَانَ (إِنَّا كُنَا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِنَبِيِّنَا؛ فَتَسْقِينَا) فَإِذَا عُلِمَتْ صِفَةُ هَذَا التَّوَسُّلِ الأَوَّلِ عُلِمَتْ صِفَةُ الآخَرِ -وَهُوَ مَوضُوعُ النِّزَاعِ-، وَالنَّاظِرُ فِي السُّنَّةِ يَجِدُ أَنَّ الصَّحَابَةَ ﵃ لَمَّا قَحَطَوا جَاءَ بَعْضُهُم إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَطَلَبَ مِنْهُ الدُّعَاءَ، وَلَو كَانَ المَقْصُودُ هُوَ التَّوَسُّلَ بِالجَاهِ لَبَقِيَ الطَّالِبُ فِي دَارِهِ وَتَوَسَّلَ بِهِ! -إِذْ إِنَّ الجَاهَ مَوجُودٌ فِي كِلَا الحَالَتَينِ كَمَا لَا يَخْفَى- (٢).
٣ - أَنَّ العَبَّاسَ ﵁ عِنْدَمَا تَوَسَّلُوا بِهِ قَامَ فَدَعَى (٣)؛ فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ التَّوَسُّلَ بِهِ هُوَ الدُّعَاءُ.
٤ - أَنَّ عُمَرَ ﵁ عِنْدَمَا تَوَسَّلَ بِالعَبَّاسِ أَمَرَهُ بِالدُّعَاءِ، فَقَد رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (أَنَّ عُمَرَ اسْتَسْقَى بِالمُصَلَّى؛ فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: قُمْ فَاسْتَسْقِ. فَقَامَ
(١) وَلِتَمَامِ الفَائِدَةِ رَاجِعْ مَسْأَلَةَ قِصَّةِ العُتْبِيِّ فِي مُلْحَقِ (قَوَاعِدُ ومَسَائِلُ فِي التَّبَرُّكُ والبَرَكَةُ).(٢) وَقَد سَبَقَ حَدِيثُ أَنَسٍ ﵁ فِي إِتْيَانِ الأَعْرَابِيِّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ -وَهُوَ يَخْطُبُ- فَطَلَبَ مِنْهُ الاسْتِسْقَاءَ لَهُم.(٣) نَقَلَهُ الحَافِظُ العَسْقَلَانُّي ﵀ فِي الفَتْحِ (٣/ ١٥٠) حَيثُ قَالَ: "وَقَدْ بَيَّنَ الزُّبَيرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي الأَنْسَابِ صِفَةَ مَا دَعَا بِهِ العَبَّاسُ فِي هَذِهِ الوَاقِعَةِ وَالوَقْتَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ ذَلِكَ؛ فَأَخْرَجَ بِإِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ العَبَّاسَ لَمَّا اسْتَسْقَى بِهِ عُمَرُ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ وَلَمْ يُكْشَفْ إِلَّا بِتَوبَةٍ، وَقَدْ تَوَجَّهَ القَومُ بِيَ إِلَيكَ لِمَكَانِي مِنْ نَبِيِّكَ، وَهَذِهِ أَيدِينَا إِلَيكَ بِالذُّنُوبِ، وَنَوَاصِينَا إِلَيكَ بِالتَّوبَةِ؛ فَاسْقِنَا الغَيثَ)، فَأَرْخَتِ السَّمَاءُ مِثْلَ الجِبَالِ حَتَّى أَخْصَبَتِ الأَرْضُ وَعَاشَ النَّاسُ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute