قال الله سبحانه وتعالى:{إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِك}(١) أى الرؤساء والأشراف، ومعنى قوله فى الرواية الأخرى:" إنَّ الأُولى "(٢).
وقوله:" وبالصياح عولوا علينا ": كذا روايتنا فى كتاب مسلم بياء باثنتين تحتها، وهو الصحيح. ومعنى " عولوا ": استعانوا، من التعويل على الشىء أو من الأعوال والعويل بالصوت والنداء.
وقوله:" فداء لك ": يقال بالمد والقصر، والفاء مكسورة. حكاه الأصمعى وغيره، فأما فى المصدر فالمد لا غير. وحكى الفراء:" فدا " مفتوح مقصور، وروياناه بالرفع:" فداءُ " على المبتدأ، وخبره، أى نفسى فداء أو فداء نفسى لك، وبالنصب على المصدر، ومعنى " اقتفينا ": أى اكتسبنا، وأصله الاتباع. قال الخليل: قفوت الرجل: قذفته بريبة، وقال الله سبحانه:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}(٣)، أى لا تتبعه بظنك وتقول فيه بغير علم.
قال الإمام: وقع فى بعض النسخ: " فداء لك "، وفى بعضها:" فاغفر لنا فداك ما ابتغينا ". وهذه الرواية الثانية سالمة من الاعتراض، وأما " فداء لك " فإنه لا يقال: أفدى البارى تعالى، ولا يقال للبارى - سبحانه -: " فديتك " لأن ذلك إنما يستعمل فى مكروه يتوقع حلوله ببعض الأشخاص فيحب شخص آخر أن يحل به ويفديه منه. ولعل هذا وقع من غير قصد إلى حقيقة معناه، كما يقال: قاتله الله، وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" تربت يمينك "(٤)، " وويل أمه مسعر حرب "(٥)، وقد تقدم، أو يكون فيه ضرب من الاستعارة؛ لأن الفادى لغيره قد بالغ فى طلب رضا المفدى حتى بذل نفسه فى محابه، فكان المراد فى هذا الشعر: أنى أبذل نفسى فى رضاك.
وعلى كل حال، فإن المعنى وإن صرف إلى جهة يصح فيها، فإطلاق اللفظ واستعارته والتجوز به يفتقر إلى شرع. أو يكون المراد بقوله:" فداء لك " رجلاً يخاطبه، وقطع بذلك بين الفعل والمفعول، فكأنه يقول: فاغفر، ثم عاد إلى رجل ينبهه فقال: " فداء
(١) القصص: ٢٠. (٢) حديث رقم (١٢٥). (٣) الإسراء: ٣٦. (٤) البخارى، ك العلم، ب الحياء فى العلم ١/ ٤٤، مسلم، ك الحيض، ب وجوب الغسل على المرأة بخروج المنى ١/ ٣٢، الدارمى، ك الوضوء، ب فى المرأة ترى فى منامها ما يرى النائم ١/ ١٩٥، أحمد ٣/ ٨١. (٥) البخارى، ك الشروط، ب الشروط فى الجهاد ٣/ ٢٥٦، أحمد ٤/ ٣٣١، أبو داود، ك الجهاد، ب فى صلح العدو.