قيل فى قوله تعالى:{وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَاب}(١) هو قوله: أما بعد، وقيل فيه غير هذا (٢)، وأولى الأقوال في الآية أنه الفصل بين الحق والباطل كما قال تعالى:{إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ. وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}(٣).
وقوله: " خير الهدى هدى محمد ": رويناه هنا بضم الهاء فيهما وفتح الدال، ومعناه: الدلالة، والهدى هديان: هدى دلالة وإرشاد وبيان وهو الذى يضاف إلى الرسول والقرآن والعباد، قال الله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(٤) و {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيم}(٥) و {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}(٦) و {هُدًى لِلْمُتَّقِين}(٧). والهداية الثانية: بمعنى التأييد والعصمة والتوفيق وهى التى تفرد بها جل جلاله وتقدست أسماؤه، قال الله لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْببْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ}(٨)، وحملت القدرية الهدى حيث وقع على البيان بناء على أصلهم الفاسد فى القدر (٩). وقول الله تعالى:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(١٠) وتفريقه بين الدعاء والهدى يرد قولهم.
وروينا الحرف فى غير الكتاب: " خيرٌ الهَدْى هَدْىُ محمد " بفتح الهاء فيهما وسكون الدال، وفى هذا [الكتاب](١١) أدخله الهروى وفسّره بالطريق، أى إن أحسن الطريق طريق محمد، يقال: فلان حسن الهَدْى، أى المذهب فى الأمور كلها والسيرة، ومنه: " اهدُوا هدى عمار " (١٢) وقوله: " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه " يكون " أولى " هنا
(١) ص: ٢٠. وما ذكره القاضى أخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره بإسناده عن أبى موسى - رضى الله عنه - قال: أول من قال: " أما بعد " داود - عليه السلام - وهو فصل الخطاب. قال ابن كثير: وكذا قال الشعبى: فصل الخطاب: أما بعد ٧/ ٥١. (٢) وذلك مثل قول مجاهد والسدى: هو إصابة القضاء وفهمه، وقال: شريح والشعبى: فصل الخطاب الشهود والأيمان، وقال قتادة: شاهدان على المدعى أو يمين المدعى عليه هو فصل الخطاب، الذى فصل به الأنبياء والرسل، وهو قضاء هذه الأمة إلى يوم القيامة. السابق. (٣) الطارق: ١٣، ١٤. (٤) الشورى: ٥٢. (٥) الصافات: ٢٣. (٦) الإسراء: ٩. (٧) البقرة: ٢. (٨) القصص: ٥٦. (٩) يعنى بمذهبهم الفاسد قولهم: إن العبد يخلق أفعاله، وأن الإيمان والهداية من فعله. (١٠) يونس: ٢٥. (١١) فى الأصل: الباب، والمثبت من س. (١٢) أحمد فى المسند من حديث حذيفة ٥/ ٣٩٩، وقد نقلها الأبى: " اهتدوا بهدى عمار " ٢/ ٢٢، وهو لفظ الطبرانى فى الأوسط، قال الهيثمى: وفيه يحيى بن عبد الحميد الحمانى، وهو ضعيف ٩/ ٢٩٥، ولم يشر لرواية أحمد.