بشر مثله، ويحقّق القول الأوّل الآيتان المقدّم ذكرهما، فلمّا عجزوا عن أن يأتوا بسورة تشبه القرآن، على كثرة الخطباء فيهم والبلغاء، قال:{قُلْ لَئِنِ اِجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}(١).
فإن قيل: فما العامل فى «إذ» من قوله: «إذ تحدّى جموعكم» وهل يجوز أن يعمل فيه «تحدّى»؟
فالجواب: لا يصحّ أن يعمل فيه «تحدّى» لأن المضاف (٢) إليه لا يعمل فى المضاف، من حيث كان المضاف إليه حالاّ محلّ التنوين من المضاف، معاقبا له، فهو متنزّل/منزلة جزء من أجزاء المضاف، وإذا فسد أن يعمل فيه «تحدّى» احتمل العامل فيه تقديرين: أحدهما أنّ قوله: «ومنّا بريد» كلام افتخر فيه ببريد، وفعله فى ذلك اليوم، فكأنه قال: فخرناكم ببريد إذ تحدّى جموعكم المرزبان، أو أفخرنا بريد، أى جعلنا نفخر.
والتقدير الآخر، أن يكون أراد: اذكروا إذ تحدّى جموعكم المرزبان، كما قيل فى قوله عز وجل:{وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}(٣) إن التقدير: واذكر إذ قال ربّك للملائكة، وقد ظهر هذا العامل المقدّر هاهنا فى قوله تعالى:{وَاُذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ}(٤).
والهاء من قوله: تقربوه عائدة على المرزبان، وإن كان مؤخّرا فى اللفظ فإنه مقدّم فى المعنى، لأن أصل الكلام: إذ تحدّى جموعكم المرزبان فلم تقربوه، ومثله فى إعمال الأول: أكرمنى وأكرمته زيد، عادت الهاء من قولك: أكرمته، على زيد،
(١) سورة الإسراء ٨٨. (٢) وذلك لأن «إذ» تلزم الإضافة إلى الجملة. (٣) سورة البقرة ٣٠. (٤) سورة الأعراف ٨٦.