معناه: حبست نفسى عليه وحبستها عنه، فلذلك تعدّى اصبر فى قوله:{وَاِصْبِرْ نَفْسَكَ} بغير وساطة (١) الجارّ، لأن المعنى: احبس نفسك، وقولهم:«قتل فلان صبرا» معناه حبسا، وهو مصدر وقع موقع الحال، يريدون مصبورا، قال عنترة (٢):
فصبرت عارفة لذلك حرّة ... ترسو إذا نفس الجبان تطلّع
أى حبست نفسا عارفة للشّدائد.
وقرأ ابن عامر (٣): {بِالْغَداةِ} وبها قرأ أبو عبد الرحمن السّلمىّ، وأوجه القراءتين:
{بِالْغَداةِ} لأن غدوة معرفة: علم للحين (٤)، ومثلها بكرة، تقول: جئتك أمس غدوة، ولقيته اليوم بكرة.
/قال الفراء (٥): سمعت أبا الجرّاح يقول فى غداة يوم بارد: ما رأيت كغدوة قطّ، يريد غداة يومه، وقال الفرّاء: ألا ترى أن العرب لا تضيفها، وكذلك لا تدخلها الألف واللام، إنما يقولون: أتيتك غداة الخميس، ولا يقولون: غدوة الخميس، فهذا دليل على أنها معرفة. انتهى كلامه.
وأقول: إن حقّ الألف واللام الدخول على النّكرات، وإنما دخلتا فى الغداة، لأنك تقول: خرجنا فى غداة باردة، وهذه غداة طيّبة.
ووجه قراءة ابن عامر أن سيبويه (٦) قال: «زعم الخليل أنه يجوز أن تقول: أتيتك (٧) اليوم غدوة وبكرة، فجعلتهما (٨) بمنزلة ضحوة».
(١) فى هـ: بغير واسطة لأن المعنى. . . . (٢) ديوانه ص ١٠٤، واللسان (عرف). وأنشده ابن الشجرى فى المجلسين: الثامن والثلاثين، والثامن والستين. (٣) السبعة ص ٣٩٠، وتفسير القرطبى ١٠/ ٣٩١، والبحر ٤/ ١٣٦. (٤) راجع الكتاب ٣/ ٢٩٣، والمقتضب ٣/ ٣٧٩، واللسان (غدا). (٥) معانى القرآن ٢/ ١٣٩. (٦) الكتاب ٣/ ٢٩٤، وانظر حواشى المقتضب ٣/ ٣٧٩، وزاد المسير ٣/ ٤٦. (٧) فى الكتاب: «آتيك». وأعاده ابن الشجرى فى المجلس التاسع والستين: جئتك. (٨) فى هـ: «فجعلهما»، وفى الكتاب: تجعلهما.