الجِزْيَةِ فِي السَّنَةِ ثَلاَثَةُ دَنَانِيْرَ، وَلَقَدْ عرضَ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأُمَرَاءِ أَنْ يَزِيْدَ جَامِكيَّتَهُ (١) فَمَا قَبِلَ، وَكَانَ لَهُ مِنَ الموقِعِ فِي قُلُوْبِهِم مَعَ كَثْرَةِ مَا يُهِينُهُم مَا لَمْ يَكُنْ لأَحدٍ سِوَاهُ، وَعَرَضُوا عَلَيْهِ القَضَاءَ بِمِصْرَ، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَقضِي لَهُم ...
إِلَى أَنْ قَالَ شُجَاعٌ: وَكَتَبَ (صَحِيْحَ مُسْلِمٍ) كُلَّهُ بِقَلَمٍ وَاحِدٍ، وَسَمِعتُهُ وقِيْلَ لَهُ: فُلاَنٌ رُزِقَ نِعمَةً وَمَعدَةً، فَقَالَ: حَسَدُوْهُ عَلَى التَّردُّدِ إِلَى الخلاَءِ.
وَسَمِعته كَثِيْراً إِذَا ذُكِرَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُوْلُ: طُوِيَتْ سَعَادَةُ المُسْلِمِيْنَ فِي أَكْفَانِ عُمَرَ (٢) .
وَذَكرنَا فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ (٣)) : أَنَّ النَّاسَ بَقُوا بِمِصْرَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ بِلاَ قَاضٍ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَوَقَعَ اخْتيَارُ الدَّوْلَةِ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي العَبَّاسِ، فَاشترَطَ عَلَيْهِم شُرُوطاً صعبَةً، مِنْهَا: أَنَّهُ لاَ يَقضِي بِمَذْهَبِهِم، يَعْنِي: الرَّفْضَ، فَلَمْ يُجيبُوا إِلاَّ أَنْ يَقضِيَ عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِيَّةِ.
تلوتُ بِالسَّبْعِ مِنْ طرِيقِهِ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ النَّحْوِيِّ، عَنِ الكَمَالِ العَبَّاسِيِّ، عَنْ شُجَاعٍ المُدْلِجِيّ، عَنْهُ.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ الأَنْمَاطِيِّ: قَالَ لِي شَيْخُنَا شُجَاعٌ:
كَانَ الشَّيْخُ أَبُو العَبَّاسِ قَدْ أَخَذَ نَفْسَهُ بِتقَلِيْلِ الأَكلِ، بِحَيْثُ بَلَغَ فِي ذَلِكَ إِلَى الغَايَةِ، وَكَانَ يَتَعَجَّبُ مِمَّنْ يَأْكُلُ ثَلاَثِيْنَ لُقْمَةً، وَيَقُوْلُ: لَوْ أَكلَ النَّاسُ مِنَ الضَّارِ مَا آكُلُ أَنَا مِنَ النَّافِعِ، مَا اعتلُّوا.
قَالَ: وَحَكَى لَنَا شُجَاعٌ: أَنَّ أَبَا العَبَّاسِ وُلِدَتْ لَهُ بِنْتٌ، فَلَمَّا كَبُرَتْ، أَقرَأَهَا بِالسَّبْعِ، وَقَرَأْتْ عَلَيْهِ (الصَّحِيْحَيْنِ) وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَكَتَبتِ
(١) الجامكية: رواتب خدام الدولة. تعريب جامكي، وهو مركب من " جامه " أي قيمة، ومن " كي " وهو أداة النسبة.أنظر " معجم الألفاظ الفارسية المعربة " لادي شير، ص ٤٥.(٢) انظر " وفيات الأعيان " ١ / ١٧١ و" الوافي " ٧ / ١٢٢.(٣) ٢ / ٤٢٣.وانظر " وفيات الأعيان " ١ / ١٧١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute