ومن الأدلة المذكورة لنا في الرسالة قوله تعالى:{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}(١)، ففرق الله في هذه الآية بين من شرح (٢) صدره الإسلام وبين من لم يشرح صدره بتوعده لهم بالويل وأخبر أنهم في ضلال مبين.
فأجاب المخالف القدري: بأنه لا حجة لنا في هذه الآية لأن الله نسب شرح الصدر إليه، وما نسب قسوة القلب غليه بل ذم عليها وتوعد (٣) أهلها وذلك يدل على أنها فعلهم.
والجواب: أن في الآية إضماراً وتأويلها {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ} يعنى وسع قلبه وفتحه للتوحيد فاهتدى كمن طبع على قلبه فلم يهتد لقسوته (٤).
وروي أن رجلاً قال: يا رسول الله ما معنى قول الله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّه}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن النور إذا وقع في القلب انشرح الصدر"، فقال الرجل: فهل لذلك من علامة تعلم. قال:"نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتأهب للموت قبل نزول الموت"(٥).
ويدل على صحة قولنا، قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}(٦) فنسب الله جعل القساوة في قلوبهم إليه في هذه الآية، كما
(١) الزمر آية (٢٢). (٢) في - ح- (شرح الله). (٣) في الأصل (تواعد) وهي في - ح- كما أثبت وهي الأصوب. (٤) انظر: تفسير ابن جرير ٢٣/ ٢٠٩، تفسير القرطبي ١٥/ ٢٤٧ فقد ذكرا نحوا من ذلك. (٥) ذكره في الدرالمنثور ٧/ ٢١٩ وعزاه إلى ابن مردويه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - نحوه، والحكيم في نوادر الأصول عن ابن عمر نحوه، وعبد الرحمن بن حميد وابن المنذر عن قتادة مرسلا نحوه. (٦) المائدة آية (١٣).