من جنّبها، وحفظ عقله حتى يتبين ويتثبت؛ لأنها كالخمر.
أخرج أبو نعيم في «الحلية»(١/٢٧٤) عن حذيفة -رضي الله تعالى عنه-، قال:«ما الخمر صرفاً بأذهب بعقول الرجال من الفتنة» .
وتأمل قول أبي موسى على إثر ما رفعه في الحديث المتقدم قريباً:«والذي نفسي بيده! ما أجد لي ولكم منها مخرجاً إن أدركتني وإياكم إلاّ أن نخرج منها كما دخلنا فيها» .
وهذا هو معيار السلامة منها، وأما من أُركس فيها، فعلامته:
ما أخرجه أبو نعيم في «الحلية»(١/٢٧٢-٢٧٣) -أيضاً- بسنده إلى حذيفة على إثر حديث صحيح، قال:« ... فمن أحب منكم أنْ يعلم أَصَابَتْهُ الفتنةُ أم لا؟ فلينظر! فإنْ كان يرى حراماً ما كان يراه حلالاً، أو يرى حلالاً ما كان يراه حراماً؛ فقد أصابته الفتنة» ، وهذا ضابط كلي مهم، من خلاله يُعْرَفُ المفتونون، ويجب على العلماء وطلبة العلم النبهاء، والدعاة الصادقون العملُ على كشفهم، وتقويم اعوجاجهم، والتحذير من سمّهم.
فهم -كما في حديث أبي موسى- مَنْزُوعو العقول، و «يخلف لهم هَبَاء (١)
من الناس» ، وهم حثالة على كثرتهم -لا بارك الله فيهم، ولا رحم فيهم مغرز إبرة-، صفتهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: «يحسب أكثرُهم أنهم على
(١) الهباء: ما تسفي به الريح. قاله ابن عباس، علقه البخاري في «صحيحه» في كتاب التفسير (باب سورة الفرقان) بصيغة الجزم، ووصله ابن جرير (١٩/٤) وغيره. وانظر: «تغليق التعليق» (٤/٢٧٠) ، و «فتح الباري» (٨/٤٠٩) . وقال ابن شميل: الهباء التراب الذي تطيّره الريح؛ فتراه على وجوه الناس وجلودهم وثيابهم يلزق لزوقاً. كذا في «لسان العرب» مادة (هبا) .
قلتُ: وهباء الفتنة يلزق في القلوب لزوقاً، وتراه في المواقف، وعلى أسنّة الرماح، وعلى صفحات الكتب والجرائد والنشرات السيَّارة، وشبكات (الإنترنت) العالمية.