فجعل يقول: يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام حتى توفي. فغسل وقت السحر، وأخرجت جنازته إلى جامع دمشق، فما وسع الناس الجامع، وصلى عليه العلامة الشيخ موفق الدين ابن قدامة بعد جهد جهيد (١). وهال سبط ابن الجوزي كثرة المشيعين، فراح يتأمل الناس من أعلى قاسيون، فإذا أولهم عند مغارة الدم ورأس الجبل إلى الكهف، وآخرهم بباب الفراديس، ولو رمى الإنسان عليهم إبرة لما ضاعت، ولولا المبارز المعتمد وأصحابه لقطعوا أكفانه، وما وصل إلى الجبل إلى آخر النهار، فكان يوما لم ير في الإسلام مثله، على حد تعبيره (٢).
وفي الليل يأوي سبط ابن الجوزي إلى فراشه، وهو يتفكر في جنازته، فيذكر أبيانا أنشدها الإمام سفيان بن سعيد الثوري في منام رئي له بعد وفاته، ومنها هذا البيت النفيس:
نظرت إلى ربي كفاحا وقال لي … هنيئا رضائي عنك يا ابن سعيد (٣)
فيتمنى للعماد أن يرى ربه كما رآه سفيان عند نزول حفرته، ويقص علينا سبط ابن الجوزي ما جرى له في تلك الليلة، فيقول:«ونمت، فرأيت العماد في النوم، وعليه حلة خضراء، وعمامة خضراء، وهو في مكان متسع كأنه روضة، وهو يرقى في درج مرتفعة، فقلت: يا عماد الدين، كيف بت، فإني والله مفكر فيك؟ فنظر إلي، وتبسم على عادته، وقال:
رأيت إلهي حين أنزلت حفرتي … وفارقت أصحابي وأهلي وجيرتي