الاستطاعة. وكأنهم ائتمروا فيما بينهم على القعود. فما إن يحل موعد الخروج حتى يثبط بعضهم بعضا، مؤثرين الدعة والسلامة، قائلين: لكل مقام مقال، وللحرب رجال (١).
ويستبطئ المعظم الناس، فيكتب لسبط ابن الجوزي كتابا آخر بخطه، يقول فيه:«قد عرفت عزيمة الأخ التي جردها في سبيل الله ابتغاء لرضاه، وشكرت ما يقصد من المساعي في ذات الله ويتوخاه، فليقدم حضوره إلى أخيه، ومحبه المشار إليه، ليقوم من خدمته بما يجب عليه»(٢).
فيمتثل سبط ابن الجوزي أمره، ويخرج إلى الساحل. وكان المعظم نازلا على قيسارية يحاصرها (٣)، فيلتقيه هناك، ويقيم معه حتى يفتحها المعظم عنوة، ثم يسير معه إلى الثغر، فيفتحه ويهدمه، ويعود إلى دمشق بعد أن أخرب بلاد الفرنج (٤).
وعقوبة على تقاعد أكابر أهل دمشق عن الجهاد، يأخذ المعظم الخمس والثمن منهم (٥).
وتوافي أشهر الحج من ذلك العام، فيعزم سبط ابن الجوزي على أداء مناسكه، فيتجهز، وحين يأزف وقت الرحيل ينضم إلى قافلة الحج الشامي، وأميرها شقيفات؛ مملوك المعظم (٦).
(١) مرآة الزمان (٢٢/ ٢٣٩). (٢) مرآة الزمان (٢٢/ ٢٨٩). (٣) تاريخ الحروب الصليبية (٣/ ٢٩٣). (٤) هذه رواية سبط ابن الجوزي، ولم يحدد تواريخ لذلك. والذي ذكره رنسيمان في كتابه «تاريخ الحروب الصليبية» (٣/ ٢٩٣) أن المعظم هاجم قيسارية في المحرم سنة ٦١٧ هـ/ آذار ١٢٢٠ م، ثم تحرك لمحاصرة عثليث، وهي معقل من معاقل الداوية، وأقام على حصارها حتى شهر رمضان ٦١٧ هـ/ تشرين الثاني ١٢٢٠ م، ثم عاد إلى دمشق. وهذه الرواية إن صحت، لا تتفق وحضور سبط ابن الجوزي لوقائعها مع ذهابه للحج في سنة ٦١٦ هـ/ ١٢٢٠ م، كما سيأتي! (٥) مرآة الزمان (٢٢/ ٢٣٩)، وينظر: «المذيل على الروضتين» (١/ ٣١٦). (٦) مرآة الزمان (٢٢/ ٢٤٠)، والمذيل على الروضتين (١/ ٣١٩، ٣٢٠).