وَقَوْلُهُ:{وَعَمِلَ صَالِحًا} قَالَ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَدَّى الفَرَائِضَ]، وَفِي هَذَا أَيْضًا قُصور، بل الْعَمَلُ الصَّالِحُ هنا يشمل الفرائض والنوافلَ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: الإخلاص والمتابعة؛ لِقَوْلِهِ تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}[البينة: ٥]، فقوله:{مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} هذا الإخلاص، و {حُنَفَاءَ} هذه المتابعة؛ لأنَّ الحَنِيف هُوَ الَّذِي لَيْسَ بمائل، فَمَنْ خَرَجَ عَنِ المتابعة فهو مائل.
فالعمل الصالح إذن هو كُلُّ عَمَلٍ تضمَّن الإخلاص والمتابعة، وضدُّه الفاسد، وَهُوَ الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَى الشِّرْكِ أو على البدعة، فَهَذَا لَيْسَ بعملٍ صالحٍ، فمَن جمَع هَذِهِ الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ {فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ}: (عسى) مِن أفعال الترجِّي، لكنَّها بالنسبة للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا تَكُونُ للترجِّي، بل تكون للتَّعلِيل، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي اللَّه عنهما-: "عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ"(٢). لِأَنَّ الْعِلَّةَ ملازِمة للمعلول، فَإِذَا وُجِدَتِ العلة ثبَتَ المعلول، فالعلة لِلفلاح هِيَ التَّوْبَةُ والإيمان، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، فإذا وُجدِت هذه وُجِد الفلاحُ {فَعَسَى أَنْ يَكُونَ}.
(١) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، رقم (٥٠)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الإيمان ما هو، رقم (٩). (٢) تفسير القرطبي (٨/ ٩١).