قالوا: العربُ تجعلُ ما بعدَ القولِ مرفوعًا على الحكايَةِ فتقولُ: قُلْتُ: عبدُ اللهِ ذاهبٌ، وقلت: إنك قائمٌ. هذا في جميع القولِ إلا في "أتقولُ" وحدَها مع حرف الاستفهام، فإنهم يُنْزِلونَها منزلةَ "أَتظُنُّ" فيقولونَ: أتقول أنك خارج؟ ومتى تقولُ أن عبدَ الله منطلقٌ؟ (١) وأنشد:
بنصبِ الدارِ كأنّهُ قالَ: فمتى تظن الدارَ تجمعنا. وهذا مذهبُ أكثرِ العربِ فيما جاءَ بعدَ القولِ.
قالوا: ومن العربِ قَوْمٌ ينصبونَ ما جاءَ بعدَ القولِ على أيِّ وَجْهٍ كان فيقولون: قلت: إِنّك ذاهبٌ، وقلت: عبد اللهِ منطلقًا (٣)، وهم بنو سُلَيمٍ (٤)، فإذا قرأ قارِيءٌ:{فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}(٥) بنصب أنّا على مذهب هؤلاء في نصب ما جاءَ بعدَ القَوْلِ بإيقاعِ القولِ عليهِ كما تُوْقِعُ الظَّنَّ جعلَ النَّبِيَّ محزونًا لقَولهِمْ: أنّ الله يَعْلَمُ السِّرَّ، والعَلانِيَةَ، ما يُسِرُّون، وما يُعْلِنُونَ، ومن حُزْنِهِ قولُ القائلِ: أن الله يَعْلَمُ السِّرَّ، والعلانيةَ، فهو كمن حَزِنَهُ قَوْلُ آخَرَ أن الله واحِدٌ، وأنّ اللهَ لا شريكَ له، ولا نِدَّ، فكيف يجوز أن يقولَ اللهُ
= بعده مثله ورحل إلى بغداد، فناظر الكسائي وأجازه الرشيد بعشرة آلاف درهم وعاد إلى الأهواز فتوفي بها سنة ٦٨٠ هـ. وفيات الأعيان ٣/ ٤٦٣. (١) انظر سيبويه ١/ ١٢٣، وشرح الكافية ٢/ ٣٤٩. (٢) البيت لعمر بن أبي ربيعة كما في ديوانه ص ٣٩٤، والمقتضب ٢/ ٣٤٩، وسيبويه ١/ ١٢٤. (٣) انظر سيبويه ١/ ١٢٤، وشرح الكافية ٢/ ٢٨٩. (٤) بنو سليم: نسبة إلى سُلَيم بن قطرة بن غنم: جدّ جاهلي. بنوه بطن من شنوءة، من القحطانية. النسبة إليه سلميّ (بضم السين وفتح اللام). وانظر سيبويه ١/ ١٢٤ وشرح الكافية ٢/ ٢٨٩. (٥) سورة يس الآية ٧٦.