تَأْمَنْهَا عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِكَ! وَالدَّابَّةُ تَكُونُ قَطُوفًا (١)؛ فَإِنْ ضَرَبْتَها أَتْعَبَتْكَ وَإِنْ تَرَكْتَهَا لَمْ تُلْحِقْكَ بِأَصْحَابِكَ! وَالدَّارُ تَكُونُ ضَيِّقَةً قَلِيلَةَ المَرَافِقِ)) (٢).
فَدَلَّ الحَدِيثُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ؛ مِنْهَا مَا يُسْعِدُ وَمِنْهَا مَا يُشْقِي، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الأَسْبَابِ القَدَرِيَّةِ وَلَيسَتْ مِنَ التَّطَيُّرِ أَصْلًا (٣).
قَالَ الإِمَامُ ابْنُ القَيِّمِ ﵀: "وَبِالجُمْلَةِ فَإِخْبِارُهُ ﷺ بِالشُّؤْمِ أَنَّهُ يَكُونُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَيسَ فِيهِ إِثْبَاتُ الطِّيَرَةِ الَّتِي نَفَاهَا، وَإنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَه قَدْ يَخْلِقُ مِنْهَا أَعْيَانًا مَشْؤُمَةً عَلَى مَنْ قَارَبَهَا وَسَاكَنَهَا، وَأَعْيَانًا مُبَارَكَةً لَا يَلْحَقُ مَنْ قَارَبَهَا مِنْهَا شُؤْمٌ وَلَا شَرٌّ.
وَهَذَا كَمَا يُعْطِي سُبْحَانَهُ الوَالِدَينِ وَلَدًا مُبَارَكًا يَرَيَانِ الخَيرَ عَلَى وَجْهِهِ، وَيُعْطِي غَيرَهُمَا وَلَدًا مَشْؤُمًا نَذْلًا يَرَيَانِ الشَّرَّ عَلَى وَجْهِهِ.
وَكَذَلِكَ مَا يُعْطَاهُ العَبْدُ مِنْ وِلايَةٍ أَو غَيرِهَا؛ فَكَذَلِكَ الدَّارُ وَالمَرْأَةُ وَالفَرَسُ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ الخَيرِ وَالشَّرِّ وَالسُّعُودِ وَالنُّحُوسِ، فَيَخْلُقُ بَعْضَ هَذِهِ الأَعْيَانِ
(١) أَي: بَطِيئَةَ السَّيرِ.(٢) حَسَنٌ. الحَاكِمُ (٢٦٨٤) عَنْ سَعْدٍ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (٥٣٦٧).وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ (٤٠٣٢) بِزِيَادَةِ: ((وَالجَارِ الصَّالِحِ)). صَحِيحٌ. الصَّحِيحَةُ (٢٨٢).قُلْتُ: وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ وَجْهِ الاشْتِرَاكِ مَعَ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ فِي كَثْرَةِ مُلَازَمَةِ الرَّجُلِ لِهَذِهِ الأَشْيَاء.فَالجَارُ الصَّالِحُ مِنَ السَّعَادَةِ؛ لِأَنَّه يُعِينُ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ، وَيَتَمَثَّلُ قَولَهُ تَعَالَى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العَصْر: ٣]، وَلَا يُشْغِلُكَ بِالدُّنْيَا وَمَصَائِبِهَا وَفِتَنِهَا عَنِ الآخِرَةِ.(٣) وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ هَذَا الحَدِيثِ تَصْحِيحُ الحَدِيثِ مَوضُوعِ هَذِهِ المَسْأَلَةِ! لِأَنَّ مَدَارَ الإِشْكَالِ هُوَ عَلى لَفْظِ الشُّؤْم؛ فَإِنَّهُ غَيرُ مَوجُودٍ فِي هَذَا الحَدِيثِ، وَأَيضًا لِاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ عَلَيهِ؛ فَتَنَبَّهْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute