مِنَ اللهِ لِعِبَادِهِ فَيُعَلِّمَانِهِمُ السِّحْرَ (١)،
﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى﴾ يَنْصَحَاهُ،
وَ ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ أَي: لَا تَتَعَلَّمِ السِّحْرَ؛ فَإِنَّهُ كُفْرٌ، فَيَنْهَيَانِهِ عَنِ السِّحْرِ، وَيُخْبِرَانِهِ عَنْ مَرْتَبَتِهِ، فَتَعْلِيمُ الشَّيَاطِينِ لِلسِّحْرِ عَلَى وَجْهِ التَّدْلِيسِ وَالإِضْلَالِ، وَنِسْبَتُهُ وَتَرْويجُهُ إِلَى مَنْ بَرَّأَهُ اللهُ مِنْهُ -وَهُوَ سُلَيمَانُ ﵇[هُوَ أَيضًا
(١) وَقَدْ اسْتَعْرَضَ الطَّبَرِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيرِ (٢/ ٤١٩) قَولَينِ فِيهَا، فَقَالَ ﵀: "قَولُهُ: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَينِ﴾ قَالَ بَعْضُهُم: مَعْنَاهُ الجَحْدُ، وَهِيَ بمَعْنَى (لَمْ) فَتَأْوِيلُ الآيَةِ عَلَى هَذَا المَعْنَى: وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَى المَلَكَينِ، وَاتَّبَعُوا الَّذِي تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيمَانَ مِنَ السِّحْرِ، وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ، وَلَا أَنْزَلَ اللهُ السِّحْرَ عَلَى المَلَكَيٍنِ، وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ. فَيَكُونُ حِينَئِذٍ قَولُهُ: ﴿بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ مِنَ المُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقدِيمُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ تَأْوِيلُ (مَا) الَّتِي فِي قَولِهِ: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَينِ﴾: (الذِي) … " وَسَاقَ بِنَحْوِ مَا قَالَهُ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ وَرَجَّحَهُ.وَالأَوَّلُ رَجَّحَهُ القُرْطُبِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيرِ (٢/ ٥٠)، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.وَعَلَى الوَجْهِ الأَوَّلِ (مَا: النَافِيَة): يَكُونُ عِنْدَهُمُ المَلَكَانِ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ هُمَا الَّذَينِ ادَّعَى فِيهِمُ اليَهُودُ النُّزُولَ بِالسِّحْرِ، وَهَارُوتُ وَمَارُوتُ هُمَا الَّذَينِ تَعَلَّمُوا السِّحْرَ مِنَ الشَّيَاطِينِ.قَالَ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀: "لَا شَكَّ أَنَّ الآيَةَ فِيهَا خِلَافٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ، لَكِنِ الَّذِي تَرَجَّحَ لَدَيَّ أَنَا شَخْصِيًّا بِأَنَّ (مَا) فِي قَولِهِ: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَينِ﴾ لَيسَتْ نَافِيَةً، بَلْ هِيَ مَوصُولَة، أَي: أَنَّ اللهَ ﷿ أَنْزَلَ المَلَكَينِ لِيُعَلِّمُوا النَّاسَ السِّحْرَ، حَيثُ كَانَ السِّحْرُ انْتَشَرَ فِي ذَلِكَ الزَّمانِ؛ وَاخْتَلَطَ أَمْرُهُ بِبَعْضِ المُعْجِزَاتِ الَّتِي كَانَ يَأْتِي بِهَا بَعْضُ الأَنْبِيَاءِ، كَمِثْلِ قِصَّةِ السَّحَرَةِ مَعَ مُوسَى ﵊، حَيثُ أَرَادَ فِرْعَونُ عَلَى يَدِي السَّحَرَةِ أَنْ يُضَلِّلَ الشَّعْبَ عَنْ دَعْوَةِ مُوسَى إِلَى الحَقِّ؛ لِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ إنَّمَا هُوَ السِّحْرُ، ثُمَّ كَمَا نَعْلَمُ أَنَّ اللهَ ﷿ قَضَى عَلَى عَمَلِ السَّحَرَةِ وَأَسْلَمُوا وَآمَنُوا بِاللهِ رَبِّ العَالَمِينَ، فَكَانَ عِلْمُهُم بِالسِّحْرِ سَبَبًا لَهُم لِيُمَيِّزُوا بَينَ مَا كَانَ خَيَالًا وَسِحْرًا وَبَينَ مَا كَانَ حَقِيقَةً، ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ [الشُّعَرَاء: ٤٥] ". أَشْرِطَةُ سِلْسِلَةِ الهُدَى وَالنُّورِ (ش ١٨٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute