وَقَدْ بَيَّنَ ﵀ أَنَّ التَّمَسُّحَ بِالقَبْرِ هُوَ مِن عَادَةِ النَّصَارَى أَصْلًا! فَقَالَ ﵀: "وَالْمُسْتَحَبُّ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَنْ يَقِفَ مُسْتَدْبِرَ القِبْلَةِ مُسْتَقْبِلًا بِوَجْهِهِ الْمَيِّتَ، وَأَنْ يُسَلِّمَ، وَلَا يَمْسَحِ الْقَبْرَ، وَلَا يَمَسَّهُ، وَلَا يُقَبِّلْهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ النَّصَارَى!
قَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَأَيتُهُ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ- يَجِيءُ إِلَى الْقَبْرِ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ، السَّلَامُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، السَّلَامُ عَلَى أَبِي، وَيَنْصَرِفُ.
وَعَن أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: رَأَيتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى قَبْرَ النَّبِيِّ ﷺ فَوَقَفَ فَرَفَعَ يَدَيهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ؛ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ انْصَرَفَ" (١).
وَقَالَ ﵀ فِي مَوضِعٍ آخَرَ: "فَإِنَّ الْمَسَّ وَالتَّقْبِيلَ لِلْمَشَاهِدِ عَادَةُ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ" (٢).
وَقَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ ﵀: "فَقَدْ رَخَّصَ أَحْمَدُ وَغَيرُهُ فِي التَّمَسُّحِ بِالمِنْبَرِ وَالرُّمَّانَةِ -الَّتِي هِيَ مَوْضِعُ مَقْعَدِ النَّبِيِّ ﷺ وَيَدِهِ-، وَلَمْ يُرَخِّصُوا فِي التَّمَسُّحِ بِقَبْرِهِ.
وَقَدْ حَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا رِوَايَةً فِي مَسْحِ قَبْرِهِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ شَيَّعَ بَعْضَ المَوْتَى؛ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَبْرِهِ يَدْعُو لَهُ، وَالفَرْقُ بَينَ المَوضِعَينِ ظَاهِرٌ.
وَكَرِهَ مَالِكٌ التَّمَسُّحَ بِالمِنْبَرِ كَمَا كَرِهُوا التَّمَسُّحَ بِالقَبْرِ، فَأَمَّا اليَومَ فَقَدِ احْتَرَقَ المِنْبَرُ، وَمَا بَقِيَتِ الرُّمَّانَةُ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِن المِنْبَرِ خَشَبَةٌ صَغِيرَةٌ، فَقَدْ زَالَ مَا رُخِّصَ فِيهِ، لِأَنَّ الأَثَرَ المَنْقُولَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيرِهِ إِنَّمَا هُوَ التَّمَسُّحُ بِمَقْعَدِهِ" (٣).
(١) إِحْيَاءُ عُلُومِ الدِّينِ (٤/ ٤٩١).(٢) إِحْيَاءُ عُلُومِ الدِّينِ (١/ ٢٧١).(٣) اقْتِضَاءُ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ (٢/ ٢٤٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute