٦ - أَمَّا بِخُصُوصِ دُعَاءِ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ؛ فَهُوَ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ لَفْظِ الخِطَابِ أَنْ يَكُونَ ﷺ سَامِعًا لِمَنْ خَاطَبَهُ أَصْلًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى المَطْلُوبِ لِكُلِّ مَا يُطْلَبُ مِنْهُ!
فَلَفْظَ الخِطَابِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَبَدًا أَنْ يَكُونَ المُخَاطَبُ سَامِعًا لِلنِّدَاءِ، بَلْ إِنَّ الجَمَادَاتِ قَدْ تُنَادَى، كَمَا فِي مُخَاطَبَةِ عُمَرَ ﵁ لِلحَجَرِ الأَسْوَدِ فِي قَولِهِ: (إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ) (١).
وَمِثْلُهُ قَولُ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَمَا هَاجَرَ فَخَاطَبَ مَكَّةَ قَائِلًا: ((وَاللهِ؛ إِنَّكِ لَخَيرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَيَّ، وَلَولَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ)) (٢).
وَكَمُخَاطَبَةِ الصَّحَابَةِ لِلنَّبِيِّ ﷺ فِي حَيَاتِهِ فِي تَشَهُّدِ الصَّلَاةِ بِقَولِهِم: (السَّلَامُ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ) وَهُم فِي جَمِيعِ المَسَاجِدِ؛ وَلَمْ يَكُنْ يَسْمَعُهُم وَيَرُدُّ ﵈ -وَرَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ كَمَا لَا يَخْفَى-؛ وَلَكِنَّهَا عِبَادَةٌ يُتعَبَّدُ اللهُ تَعَالَى بِهَا -أَي: دُعَاءُ دُخُولِ المَقَابِرِ، وَالتَّشَهُّدُ-.
وِمِثْلُهُ حَدِيثُ: ((مَنْ رَأَى مُبْتَلى، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا؛ لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ البَلَاءُ)) (٣).
قَالَ المُنَاوِيُّ ﵀: "قَالَ العُلَمَاءُ: يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ هَذَا الذِّكْرَ سِرًّا بِحَيثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَلَا يُسْمِعْهُ المُبْتَلَى؛ إِلَّا أَنْ تَكُونَ بَلِيَّتُهُ مَعْصِيَةً فَيُسْمِعُهُ -إِنْ لَمْ يَخَفْ مَفْسَدَةً-" (٤)!
(١) البُخَارِيُّ (١٥٩٧).(٢) صَحِيحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٣٩٢٥) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الحَمْرَاءِ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (٧٠٨٩).(٣) صَحِيحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٣٤٣٢) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا. الصَّحِيحَةُ (٦٠٢).(٤) فَيضُ القَدِيرِ (٦/ ١٣٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute