تَعَالَى عَنِ الشُّفَعَاءِ: ﴿يَعْلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ [الأَنْبِيَاء: ٢٨].
٢ - إِنَّ إِثْبَاتَ مِلْكِ الشَّفَاعَةِ لِلصَّالِحِينَ لَا يَعْنِي طَلَبَهَا مِنْهُم! لِأَنَّ هَذَا هُوَ شِرْكُ المُشْرِكِينَ، حَيثُ أَنَّ عِيسَى وَمَرْيَمَ وَالعُزَيرَ هُمْ مِنْ سَادَاتِ الأَولِيَاءِ مِنَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ هُمْ أَولَى مِنْ غَيرِهِم بِتَمَلُّكِ الشَّفَاعَةِ -عَلَى القَولِ بِالتَّمَلُّكِ- ومع هَذَا فَقَدْ جَاءَ بَيَانُ أَنَّ مَنْ دَعَاهُم كَانَ مُشْرِكًا مَذْمُومًا شَرْعًا، قَالَ تَعَالَى فِي مَعْرِضِ تَحَدِّي المُشْرِكِينَ: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإِسْرَاء: ٥٦ - ٥٧].
قَالَ البَغَوِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيرِ: "قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: وَهُمْ عِيسَى وَأُمُّهُ وَعُزَيرٌ وَالمَلَائِكَةُ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجُومُ، (يَبْتَغُونَ) أَي: يَطْلُبُونَ إِلَى رَبِّهِمُ (الوَسِيلَةَ) أَيِ القُرْبَةَ. وَقِيلَ: الوَسِيلَةُ الدَّرَجَةُ العُلْيَا، أَي: يَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللهِ فِي طَلَبِ الدَّرَجَةِ العُلْيَا" (١)، فَبَيَّنَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ المَعْبُودَاتِ أَنْفُسِهَا هُمْ أَصْلًا يَدْعُونَ اللهَ تَعَالَى وَيَتَقَرَّبُونَ إِلَيهِ.
٣ - إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَيِّدُ البَشَرِ لَمْ يَمْلِكْ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيهِ شَيئًا مِنْ دُونِ اللهِ، كَمَا فِي قَولِهِ ﷺ لِابْنَتِهِ فَاطْمَةَ ﵂: ((سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي؛ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيئًا)) (٢).
(١) تَفْسِيرُ البَغَوِيِّ (٥/ ١٠١).(٢) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٤٧٧١)، وَمُسْلِمٌ (٢٠٦) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute