أ- أَنَّ المَقْصُودَ مِنْهَا: الفَائِدَةُ أَوِ التَّلْهِيَةُ وَلَيسَ المُضَاهَاةَ! كَمَا هُوَ عِنْدَ الشِّرَاءِ مِنَ خَارِجِ البَيتِ، لِأَنَّهَا تَكُونُ حِينَئِذٍ حِرْفَةً تُقْصَدُ فِيهَا المُضَاهَاةُ، فَلَا بُدَّ إِذًا أَنْ تَكُونَ بَسِيطَةَ الهَيئَةِ وَالصُّنْعِ (١).
وَالمُتَأَمِّلُ فِي النُّصُوصِ المُبِيحَةِ يَجِدُ أَنَّ هَذِهِ اللُّعَبَ لَمْ تَكُنْ وَاضِحَةَ المَعَالِمِ أَصْلًا! كَمَا يَدُلُّ عَلَيه مَثَلًا حَدِيثُ الفَرَسِ ذِي الجَنَاحَينِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الفَرَسَ كَانَ عَلَى نَحْوِ لُعَبِ صِبْيَانِ العَرَبِ -مِنَ السَّذَاجَةِ وَبَسَاطَةِ الصُّورَةِ- وَلَمْ يَكُنْ صُورَةً حَقِيقَةً، لذلك فالنَّبِيُّ ﷺ لَمّا رَآهُ سَأَلَ عَائِشَةَ ﵂: ((مَا هَذَا الَّذِي أَرَى وَسْطَهُنَّ؟))، فَقَالَتْ: فَرَسٌ، فَلَو كَانَتْ صُورَةً وَاضِحَةَ المَعَالِمِ لَعَرَفَهُ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى سُؤَالِ عَائِشَةَ
(١) وَفِي مَجْمُوعِ فَتَاوَى وَرَسَائِلِ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ آلِ الشَّيخِ ﵀ (١/ ١٨١) -جَوَابًا عَلَى سُؤَالٍ حَولَ (عَرَائِسِ البَنَاتِ) - قَالَ: "نَعَمْ؛ يَخْتَلِفُ حُكْمُ هَذِهِ الحَادِثَةِ الجَدِيدَةِ عَنْ حُكْمِ لُعَبِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ ﵂ لِمَا فِي هَذِهِ الجَدِيدَةِ الحَادِثَةِ مِنْ حَقِيقَةِ التَّمْثِيلِ وَالمُضَاهَاةِ وَالمُشَابَهَةِ بِخَلْقِ اللهِ تَعَالَى لِكَونِهَا صُوَرًا تَامَّةً بِكُلِّ اعْتِبَارٍ، وَلَهَا مِنَ المَنْظَرِ الأَنِيقِ وَالصُّنْعِ الدَّقِيقِ وَالرَّونَقِ الرَّائِعِ مَا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ وَلَا قَرِيبٌ مِنْهُ فِي الصُّوَرِ الَّتِي حَرَّمَتْهَا الشَّرِيعَةُ المُطَهَّرَةُ، وَتَسْمِيَتُهَا لُعَبًا؛ وَصِغَرُ أَجْسَامِهَا؛ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ أَنْ تَكُونَ صُوَرًا! إِذِ العِبْرَةُ فِي الأَشْيَاءِ بِحَقَائِقِهَا لَا بِأَسْمَائِهَا. فَكَمَا أَنَّ الشِّرْكَ شِرْكٌ وَإنْ سَمَّاهُ صَاحِبُهُ اسْتِشْفَاعًا وَتَوَسُّلًا، وَالخَمْرَ خَمْرٌ وَإِنْ سَمَّاهَا صَاحِبُهَا نَبِيذًا! فَهَذِهِ صُوَرٌ حَقِيقِيَّةٌ وَإِنْ سَمَّاهَا صَانِعُوهَا وَالمُتَاجِرُونَ فِيهَا وَالمَفْتُونُونَ بِالصُّوَرِ: لُعَبَ أَطْفَالٍ! وَفِي الحَدِيثِ: ((يَجِيءُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَقوامٌ يَسْتحِلُّونَ الخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيرِ اسْمِهَا)).وَمَنْ زعَمَ أَنَّ لُعَبَ عَائِشَةَ صُوَرٌ حَقِيقِيَّةٌ لِذَوَاتِ الأَرْوَاحِ! فَعَلِيهِ إِقَامَةٌ الدَّلِيلِ، وَلَنْ يَجِدَ إِلَى ذَلِكَ سَبْيلًا، فَإِنَّهَا لَيسَتْ مَنْقُوشَةً وَلَا مَنْحُوتَةً وَلَا مَطْبُوعَةً مِنَ المَعَادِنِ المُنْطَبِعَةِ وَلَا نَحْو ذَلِكَ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ عِهْنٍ أَو قُطْنٍ أَو خِرَقٍ أَو قَصَبَةٍ أَو عَظْمٍ مَرْبُوطٍ فِي عَرْضِهِ عُودٌ مُعْتَرِضًا بِشَكْلٍ يُشْبِهُ المَوجُودَ مِنَ اللُّعَبِ فِي أَيدِي البَنَاتِ الآنَ فِي البُلْدَانِ العَرَبِيَّةِ البَعِيدَةِ عَنِ التَّمَدُّنِ وَالحَضَارَةِ مِمَّا لَا تُشْبِهُ الصُورَةَ المُحَرَّمَةَ إِلَّا بِنِسْبَةٍ بَعِيدَةٍ جِدًّا، لِمَا فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ مِنْ أَنَّ الصَّحَابَةَ يُصَوِّمُونَ أَولَادَهُم؛ فَإِذَا طَلَبُوا الطَّعَامَ أَعْطَوهُم اللُّعَبَ مِنَ العِهْنِ يُعَلِّلُونَهُم بِذَلِكَ، وَلِمَا فِي سُنَنِ أَبي دَاوُدَ وَشَرْحِهَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ ذِكْرِ الفَرَسِ ذِي أَرْبَعَةِ الأَجْنِحَةِ مِنْ رِقَاعٍ -يَعْنِي مِنْ خِرَقٍ-؛ وَلِمَا عُلِمَ عَنْ حَالِ العَرَبِ مِنَ الخُشُونَةِ غَالِبًا فِي أَوَانِيهِم وَمَرَاكِبِهِم وَآلَاتِهِم آلَاتِ اللَّعِبِ وَغَيرِهَا. وَفِيمَا ذَكَرْتُ هَا هُنَا مَقْنَعٌ لِمُرِيدِ الحَقِّ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute