ومن ذلك جمع المصحف في كتاب واحد، توقف فيه زيد بن ثابت ﵁ وقال لأبي بكر ﵁ وعمر ﵁: كيف تفعلان ما لم يفعله النبي ﷺ؟ ثم علم أنه مصلحة، فوافق على جمعه، وقد كان النبي ﷺ يأمر بكتابة الوحي (١)، ولا فرق بين أن يكتب مفرقًا أو مجموعًا، بل جمعه صار أصلح.
وكذلك جمع عثمان ﵁ الأمةَ على مصحفٍ واحدٍ وإعدامه لما خالفه خشية تفرق الأمة، وقد استحسنه علي ﵁ وأكثر الصحابة ﵃، وكان ذلك عين المصلحة.
وكذلك قتال من منع الزكاة توقف فيه عمر ﵁ وغيره حتى بين له أبو بكر ﵁ أصله الذي يرجع إليه من الشريعة، فوافقه الناس على ذلك (٢).
(١) كما في قوله ﷺ: «لا تكتبوا عني شيئًا إلا القرآن، من كتب عني شيئًا سوى القرآن فليمحه». أخرجه مسلم برقم (٣٠٠٤)، وأحمد في المسند واللفظ له برقم (١١٠٨٥)، عن أبي سعيد الخدري ﵁. وهذا زمن نزول القرآن، وقد أذن النبي ﷺ بعد ذلك بكتابة الحديث. ومن عناية النبي ﷺ بتدوين وكتابة القرآن الكريم أنه خصص مجموعة من أصحابه ﵃ لكتابة القرآن الكريم، وكان يُطلَق عليهم لقب (كتبة الوحي)، قال ابن كثير في الفصول (ص ٢٥٥): (أما كتاب الوحي: فقد كتب له أبو بكر ﵁، وعمر ﵁، وعثمان ﵁، وعلي ﵁، والزبير ﵁، وأبي بن كعب ﵁، وزيد بن ثابت ﵁، ومعاوية بن أبي سفيان ﵁، ومحمد بن مسلمة ﵁، والأرقم بن أبي الأرقم ﵁، وأبان بن سعيد بن العاص ﵁، وأخوه خالد ﵁، وثابت بن قيس ﵁، وحنظلة بن الربيع الأسيدي الكاتب ﵁، وخالد بن الوليد ﵁، وعبد الله بن الأرقم ﵁، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه ﵁، والعلاء بن عتبة ﵁، والمغيرة بن شعبة ﵁، وشرحبيل بن حسنة ﵁، وقد أورد ذلك الحافظ أبو القاسم في كتابه أتم إيراد، وأسند ما أمكنه عن كل واحد من هؤلاء إلا شرحبيل بن حسنة ﵁. (٢) ينظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب (٢/ ١٢٧ - ١٢٩).