ثم بين انقطاعه ونفاده فقال: ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾ [الكهف: ٨]، فلما فهموا أن هذا هو المقصود من الدنيا، جعلوا همَّهم التزود منها للآخرة التي هي دار القرار، واكتفوا من الدنيا بما يكتفي به المسافر في سفره، كما كان النبي ﷺ يقول:«ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب قال في ظل شجرة، ثم راح وتركها»(١).
ووصى ﷺ جماعة من الصحابة أن يكون بلاغ أحدهم من الدنيا كزاد الراكب منهم: سلمان ﵁، وأبو عبيدة بن الجراح ﵁، وأبو ذر ﵁، وعائشة ﵂، ووصى ابن عمر ﵄ أن يكون في الدنيا كأنه غريب أو عابر سبيل (٢)، وأن يعد نفسه من أهل القبور (٣).
من فوائد الحديث:
أولًا: فيه محبة أصحاب النبي ﷺ له وشفقتهم عليه، وتأثرهم بأحواله وما كان يلاقيه في الدنيا من الشدائد وضيق العيش.
ثانيًا: فيه ما كان عليه النبي ﷺ من الزهد في الدنيا والتقلل منها.
ثالثًا: فيه إشارة إلى تقلب الدنيا بأهلها، وسرعة انقضاء الأعمار.
رابعًا: فيه إشارة إلى التزام قصر الأمل، والتوثق بالعمل، واغتنام الأعمار في الطاعات، قبل هجوم هادم اللذات.
(١) تقدم تخريجه. (٢) أخرجه البخاري برقم (٦٤١٦) عن ابن عمر ﵄. (٣) أخرجه أحمد في المسند برقم (٥٠٠٢)، وابن ماجه برقم (٤١١٤).