من غير ما أطلعتم عليه؛ لأن (من) تدخل على (غير)، و"بَلْهَ" بمعنى غير وبمعنى سوى؛ لأنها استثناء أو تكون:"مِنْ" مغيرة مِن: مني، أي: ذخرًا مني سوى أو غير ما قد أطلعتم عليه. وأما من جعل:"بَلْهَ" بمعنى: دع، فلا معنى لدخول:"مِنْ" إلَّا أن تكون مُغَيَّرَةٌ كما قلنا (١).
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بُلِيَ مِنْ هذِه البَنَاتِ بِشَئءٍ" كذا هو، وذكره البخاري في باب رحمة الولد:"مَنْ يَلِي"(٢) وصوابه: "مَنْ بُلِيَ"، وكذلك وقع في الزكاة:"مَنْ بُلِيَ"(٣)، ورواه مسلم:"مَنِ ابْتُلِيَ"(٤) وكذا في الترمذي (٥)، وهذا يرفع الاختلاف.
وفي التفسير:"الصَّرْحُ كُلُّ بَلَاطٍ اتُّخِذَ مِنَ قَوَارِيرَ" كذا لابن
(١) ورد بهامش (س) ما نصه: من زيادتي عليهما نفعنا الله ورحمهما: (بَلْهَ): من أسماء الأفعال كـ (رويد ومهْ وصهْ)، يقال: بله زيدًا. بمعنى: دعه واتركه، وقد يوضع موضع المصدر فيقال: بله زيد، كأنه قيل: ترك زيد، ويقلب في هذا الوجه، فيقال: بهل زيد؛ لأن حال الإعراب مَظِنَّة التصرف. وما أطلعتهم عليه: يصلح أن يكون منصوب المحلِّ ومجروره على مقتضى اللغتين، وقد روي بيت كعب بن مالك الأنصاري: تذر الجَماجِمَ ضاحيا هاماتها ... بَلْه الأكُفِّ كأنها لم تُخْلقِ على الوجهين، المعنى: رأته وسمعته، فُحذف لاستطالة الموصول بالصلة، ونظيره قوله تعالى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} [الفرقان: ٤١]. قلت [المحقق]: هذا الكلام بحروفه في "الفائق في غريب الحديث" للزمخشري ١/ ١٢٧. (٢) البخاري (٥٩٩٥) من حديث عائشة. (٣) البخاري (١٤١٨)، وفيه: "ابْتُلِيَ". (٤) مسلم (٢٩٢٩). (٥) "سنن الترمذي" (١٩١٥).