ونشأَ على أيدي صغارِ الصَّحابةِ ممَّنْ تأخَّرت وفاتُهم عنْ عصرِ الفتنةِ، فقدْ رُويَ أنَّ بُشَيراً العدويِّ (٤) جاءَ إلى ابنِ عباسٍ (٥) -رضي الله عنه- فجعلَ يُحَدِّثُ ويقولُ: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فجعلَ ابنُ عباسٍ لا يأذَنُ لحديثِهِ - أي: لا يستمعُ - ولا ينظرُ إليهِ، فقالَ: يا بنَ عبَّاسٍ ما لي لا أراكَ تسمَعُ لحديثِي، أحدِّثُكَ عن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ولا تسمَعُ، فقالَ ابنُ عباسٍ -رضي الله عنه-: «إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلَاً يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَينَا إِلَيهِ بِآَذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ لَمْ نَاخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا نَعْرِفُ»(٦).
(١) المصدر ذاته ١/ ١٥. (٢) المصدر ذاته. (٣) صحيح مسلم ١/ ١٥. (٤) بُشَير بن كعب بن أبي الحميري، العدوي، أبو أيوب البصري، « … هـ- … هـ»، مخضرم، أخرج له البخاري، والأربعة. انظر التهذيب ١/ ٤١٣، والكاشف ١/ ٤٣٠. (٥) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي، أبو العباس، «٣ قه - ٨٦ هـ»، الصحابي الجليل، حبر الأمة، له في الصحيحين وغيرهما «١٦٦٠» حديث. صفة الصفوة ١/ ٣١٤، والإصابة ت ٤٧٧٢. (٦) صحيح مسلم ١/ ١٥. وثمة أمثلة كثيرة على تثبت الصحابة واحتياطهم في الرواية فلتنظر في السنة قبل التدوين لفضيلة شيخنا محمد عجاج، الباب الثاني: احتياط الصحابة والتابعين في رواية الحديث - ص ٦٣ - ٨٤.