المَطْلَبُ الثَّالِثُ: أَثَرُ السَّبْرِ فِي مَعْرِفَةِ التَّصحيفِ والتَّحريفِ فِي الإِسْنَادِ:
معرفةُ المصحَّفِ والمحرَّفِ في الأسانيدِ ذو أهميَّةٍ بالغةٍ عندَ المحدِّثينَ، لأنَّ التَّصحيفَ والتَّحريفَ يُعمِّيَانِ عينَ الرَّاوي، وبالتَّالي حالَهُ الذي يتوقَّفُ عليهِ معرفةُ صحَّةِ الحديثِ مِنْ ضعفِهِ، ولأجلِ هذَا قالَ ابنُ المدينيِّ «ت ٢٣٤ هـ»: «أَشَدُّ التَّصْحِيفِ: التَّصْحِيفُ فِي الأَسْمَاءِ» (١). وهوَ فنٌّ يحتاجُ إلى الدِّقَّةِ والفهمِ واليقظةِ، قالَ ابنُ الصَّلاحِ «ت ٦٤٣ هـ»: «هَذَا فَنٌّ جَلِيلٌ، إِنَّمَا يَنْهَضُ بِأَعْبَائِهِ الحُذَّاقُ مِنَ الحُفَّاظِ» (٢).
والتَّصحيفُ في الإسنادِ يُعرفُ بمَا يأتي:
أوَّلاً: السَّبرُ وجمعُ الطُّرقِ: فمَا يردُ مُصحَّفاً أو مُحرَّفاً في طريقٍ، قدْ يردُ صحيحَاً ومضبوطاً في طريقٍ أُخرى، قالَ الدُّكتورُ حمزةُ المليباريُّ: «فَالمُصَحَّفُ نَوعٌ مِنَ المَعلُولِ، لِأَنَّ الذِي صَحَّفَهُ الرَّاوِي لَا يَكُونُ إِلَّا خَطَأً، وَبِذَلِكَ أَصْبَحَ مُخَالِفَاً لِلوَاقِعِ، أَوْ مُتَفَرِّدَاً بِمَا لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ خِلَالِ الجَمْعِ وَالمُقَارَنَةِ» (٣).
قالَ ابنُ الصَّلاحِ «ت ٦٤٣ هـ» ممثِّلاً: «وَمِنْهُ مَا رَوَينَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكِ بنِ عَرْفَطَةَ، عَنْ عَبْدِ خَيرٍ، عَنْ عَائِشَةَ
(١) تصحيفات المحدثين ١/ ١٢.(٢) مقدمة ابن الصلاح ص ٢٧٩.(٣) الحديث المعلول قواعد وضوابط ص ٨٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute