خَلِيْلٍ فِي هَذِهِ الأَحَادِيْثَ، فَقَالَ: وَضَعْنَاهَا لِتُرَقِّقَ القُلُوْبَ (١) .
وفِي (تَارِيْخِ بَغْدَادَ (٢)) : أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الشَّعِيْرِيّ قَالَ: قُلْتُ لغُلاَمِ خَلِيْلٍ لَمَّا رَوَى عَنْ بَكْرِ بنِ عِيْسَى، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! هَذَا شَيْخٌ قَدِيْمُ الوَفَاةِ، لَمْ تَلْحَقْهُ، فَفَكَّرَ، وَخِفْتُ أَنَا، فَقُلْتُ: كَأَنَّكَ سَمِعْتَ مِنْ رَجُلٍ بِاسْمِهِ؟
فَسَكَتَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، قَالَ لِي: إِنِّي نَظَرْتُ البَارِحَةَ فِيْمَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ بِالبَصْرَةِ، مِمَّنْ يُقَال لَهُ: بَكْرُ بنُ عِيْسَى، فَوَجَدْتُهُم سِتِّيْنَ رَجُلاً.
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: قَدِمَ مِنْ وَاسِطَ غُلاَمُ خَلِيْلٍ، فَذُكِرَتْ لَهُ هَذِهِ الشَّنَاعَات -يَعْنِي: خَوْضَ الصُّوْفِيَّةِ- وَدَقَائِقَ الأَحْوَالِ الَّتِي يَذُمُّهَا أَهْلُ الأَثَرِ، وَذُكِرَ لَهُ قَوْلُهُم بِالمَحَبَّةِ، وَيَبْلُغُهُ قَوْلُ بَعْضِهم: نَحْنُ نُحِبُّ رَبَّنَا وَيُحِبُّنَا، فَأَسْقَطَ عَنَّا خَوْفَهُ بِغَلَبَةِ حُبِّهِ - فَكَانَ يُنْكِرُ هَذَا الخَطَأَ بِخَطَأٍ أَغْلَظَ مِنْهُ، حَتَّى جَعَلَ مَحَبَّةَ الله بِدْعَةً، وَكَانَ يَقُوْلُ: الخَوْفُ أَوْلَى بِنَا.
قَالَ: وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّم، بَلِ المَحَبَّةُ وَالخَوْفُ أَصْلاَنِ، لاَ يَخْلُو المُؤْمِنُ مِنْهُما، فَلَمْ يَزَلْ يَقُصُّ بِهِم، وَيُحَذِّرُ مِنْهُم، وَيُغْرِي بِهِمُ السُّلْطَانَ وَالعَامَّةَ، وَيَقُوْلُ: كَانَ عِنْدَنَا بِالبَصْرَةِ قَوْمٌ يَقُوْلُوْنَ بِالحُلُوْلِ، وَقَوْمٌ يَقُوْلُوْنَ بِالإِبَاحَةِ، وَقَوْمٌ يَقُوْلُوْنَ كَذَا، فَانتَشَرَ فِي الأَفْوَاهِ أَنَّ بِبَغْدَادَ قَوماً يَقُوْلُوْنَ بِالزَّنْدَقَةِ.
وكَانَتْ تَمِيْلُ إِلَيْهِ وَالِدَةُ المُوَفَّقِ، وَكَذَلِكَ الدَّوْلَةُ وَالعَوَامُّ، لزُهْدِهِ وَتَقَشُّفِهِ، فَأَمَرَتِ المُحْتَسِبَ أَنْ يُطِيْعَ غُلاَمَ خَلِيْلٍ، فَطَلَبَ القَوْمَ، وَبَثَّ الأَعْوَانَ فِي طَلَبِهِم، وَكُتِبُوا، فَكَانُوا نَيِّفاً وَسَبْعِيْنَ نَفْساً، فَاخْتَفَى عَامَّتُهُم، وَبَعْضُهُم خَلَّصَتْهُ العَامَّةُ، وَحُبِسَ مِنْهُم جَمَاعَةٌ مُدَّةً.
(١) انظر: تاريخ بغداد: ٥ / ٧٩.(٢) ٥ / ٧٨ - ٧٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute