إلا يوماًً، فتكتفي بالتربص يوماً واحداً، هذا معنى البناء.
والوجه الثاني - أنا نعتد بما مضى قرءاً، إن كانت رأت الدم مرة، ثم نقول: إذا تباعد الحيض، فعليها قرءان، فإذا عدمتهما، أتت ببدل قرأين وهو شهران، وعلى هذا لو رأت الدم في اليوم الأخير من الثلاثةِ الأشهر، فإذا تباعد الحيض، اعتدّت بشهرين، وكذلك لو رأت الحيضَ في اليوم الأول.
وهذا بعيد لا تعويل عليه؛ فإن حاصله تحصيل العدة ملفقة من الأصل والبدل، ونحن لا نرى التلفيق من أصول، فكيف الظن بالتلفيق من أصلٍ وبدل.
وبيانه أن من لزمته كفارة اليمين وكسا خمسةً وأطعم خمسةً، لم يبرأ عن الكفارة، والإطعامُ والكسوةُ أصلان متعارضان.
وقد ذكرنا حالتين في طريان (١) الحيض: إحداهما - فيه إذا طرى في التسعة الأشهر، وهي مدة التربص، والثانية إذا طرأ بعد الاشتغال بالعدة، فأما إذا طرأ
(١) خطّأ النووي -في التنقيح- هذا اللفظَ (الطريان) قائلاً: " قوله: " الطريان " هكذا يتكرر في الوسيط، وهو تصحيفٌ صوابُه (الطرآن) بالمد " ا. هـ (ر. التنقيح في شرح الوسيط- الوسيط: ١/ ٤٤٢). ولجلالة الإمام النووي ومنزلته في الفقه واللغة والحديث كَرَرْتُ على الأجزاء التي كنت انتهيت من قراءتها وتدقيقها، وتتبعت الكلمة حيث وجدتها، وغيرتها إلى (طرآن). ولكن حائكاً ظل يحوك في الصدر ويَلْفتني بعنف إلى ما تجلّى من براعة إمام الحرمين اللغوية في كتابه البرهان وغيره، فقلتُ لماذا الاستسلام للإمام النووي؟ ولم لا يكون الصواب مع إمام الحرمين؟ فأخذت أبحث في أمهات المعاجم، فإذا بها تقول: طَرَى: جاء هذا الفعل مهموزاً: طرأ = طروءاً وطَرْءاً. وجاء (واوياً) غير مهموز: طَرَا: طُرُوّاً وجاء بالياء وكسْر الراء: طَرِي. وكلها تأتي بمعنى تجدد وجاء، وهو المراد هنا (ر. لسان العرب: مادة: ط. ر. أ، ط. ر. ى) ووجدتُ الصغاني في كتابه (التكملة والذيل والصلة) يحكي عن ابن الأعرابي (باب الياء) قوله: "طَرَى يطري، وطَرِيَ يطري، وطرِي يطري: إذا مرّ، وإذا أقبل، وإذا تجدّد" وبمثله في تهذيب اللغة. (ر. التكلملة والذيل والصلة ٧٠/ ٤٦١، وتهذيب اللغة: ٤/ ٨) فعدتُ كرَّةَ أتتبع الكلمة حيث وردت لأردها إلى لغة الإمام (طريان)، والله وحده يهدي إلى الصواب.