قوله:"وأمليت عليه هذا الكتاب صغير الحجم غزير العلم "أشار بذلك قدس الله سره إلى أن الهمم تقاصرت عن حفظ المطولات بل والمختصرات، وصارت على النزر اليسير مقاصرات، وحجم الشيء: ملمسه الناتئ تحت اليد والجمع حجوم، والكبر: نقيض الصغر لأن ما كثر حجمة أحجم الطلاب عن تحصيله وما اختصر رغبوا في إجماله وتفصيله، والاختصار حذف الفضول من كل شيء ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصارًا"(١)، وجوامع الكلم: قيل القرآن لأن الله تعالى جمع في ألفاظه اليسيرة معاني كثيرة، وكان - صلى الله عليه وسلم - يتكلم بجوامع الكلم، قال الخليل (٢): الكلام يبسط ليفهم ويختصر ليحفظ، فالمبسوط: ما كثر لفظه ومعناه، والمختصر: ما قل لفظه وكثر معناه (٣).
قوله:"لأني لو فعلت ذلك" لخرج هذا الإملاء إلى حد الإسهاب الممل، يقال: أسهب فهو مسهب بفتح الهاء إذا أمعن في الشيء وأطال (٤).
قوله:"وأما دقائق العلل فلا مطمع في شيء منها لغير الجهابذة النقاد من أئمة هذا الشأن" الجهابذة: جمع جهبذ، ولم توجد هذه اللفظة في أول
(١) أخرجه الدارقطني في سننه (٥/ ٢٥٤) عن ابن عباس، والبيهقي في الشعب رقم (١٣٦٧) عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ "فُضِلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ ... " الحديث. ليس فيه "واختصر لي الكلام اختصرًا". (٢) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري. (٣) زيادة في المخطوطة المغربية: وكان - صلى الله عليه وسلم - يتكلم بجوامع الكلم، قاله الكمال الدميري. (٤) مجمع بحار الأنوار (٣/ ١٥٨).