[فصل في بيان حكمة الله أن جعل لكل داع إلى الحق أعداء]
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
(وأعلم أن الله سبحانه، من حكمته لم يبعث نبياً بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾. وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وحجج كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾).
هذه فائدة عظيمة: وهي أن يعلم كل مؤمن أن من حكمة الله البالغة أن ينصب لرسله أعداء يخاصمونهم، ويؤذونهم بشتى أنواع الأذى. وقد يقول قائل: لم لا يمكِّن الله لرسله، ويجنبهم الأذى، لتتم دعوتهم دون مواجهة؟ والجواب: أن الله ﷿ حكيم في قدره، فإنه بذلك يتبين من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، ويتبين الصادق من الدَّعي. قال تعالى: ﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ١ - ٣]. فلو كان الأنبياء إذا دعوا إلى الله لم ينبرِ لهم أحد بالرد، والمحاربة، والمواجهة بالكلام ولا بالسنان، لكان كل أحد يدخل في