دينهم دون تمييز، ودون وعي، ودون تحقيق عبودية. لكن لما جعل الله الأمور على هذا المحك، أثمر هذه الفائدة التي يحصل بها تمحيص المؤمنين، واصطفاؤهم وإثابتهم.
ومن لازم ذلك، أن من سار على طريق الأنبياء؛ من الأولياء، فليرتقب ما جرى للأنبياء؛ من سار على طريق الأنبياء في تحقيق التوحيد، والدعوة إلى دين الله، فلينتظر ما جرى للأنبياء! سينبري له الخصوم، من شياطين الإنس والجن؛ يؤذونه، ويحاربونه، ولكن عليه أن يعتصم بالله، فإن العاقبة للتقوى. قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ [الفرقان: ٣١]. وتأمل قوله: ﴿هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾، فقد دل على أن أولئك الخصوم يستخدمون أسلوب التلبيس والإضلال، لكن الله، ﷿، يدفعه بالهداية. ودل على أن أولئك الخصوم يستخدمون الأساليب العدوانية التي يرهبون بها أتباع الأنبياء، لكن الله ينصر أولياءه، ويؤيدهم. عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ:(الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلابَةٌ زِيدَ فِي بَلائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ، حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ)(١).
قوله:(وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وحجج كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾): هذه لفتة مفيدة، وهي أن يعلم الموحِّد أن المخالفين للتوحيد ليسوا،