للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

صاحبه، الجهلَ الذي وصف الله به المشركين، في مثل قوله تعالى: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾ [الزمر: ٦٤]، وذكره المؤلف آنفًا بقوله: (جهال الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله)، فسماهم جهالًا، مع علمهم، وقيام الحجة الرسالية عليهم، وليس مراده بالجهل، هنا، عدم العلم بمراد الرسول، فمن كان عالماً بحقيقة التوحيد، ومع ذلك قال كلمة منافية للتوحيد، فإنه يحقق عليه وصف الكفر.

والخلاصة أن الجهل نوعان:

- جهل بمعنى عدم الإدراك، وعدم العلم، فهذا مانع من موانع التكليف، يعذر صاحبه.

- جهل بمعنى السفه، واطّراح العلم، إما بالإعراض عنه، أو برده وجحده، فهذا لا عذر به، كما في قول الله تعالى: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾ [الزمر: ٦٤]، وقوله: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص: ٥٥]، وقوله: ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩]. ومنه قول عمرو بن كلثوم:

ألا لا يجهلن أحد علينا … فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وإذا اختلف كلام إمام ما، في موضع، مع كلامه في موضع آخر، ورأينا في أحد الموضعين اشتباهاً والتباساً، ورأينا في الموضع الآخر وضوحاً وبياناً، فالمنهج العلمي أن نحمل المتشابه من قوله على المحكم منه؛ فإن الله ﷿، قد قال عن كتابه المنزل: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ [آل عمران: ٧]، فقد جعل الله بعض آيات الكتاب، وهن القليل، متشابهات، حمالة أوجه، ابتلاء وفتنة لعباده، ليعلم من يأوي إلى الحق، ممن تزيغ به الأهواء، ولهذا قال بعدها: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ

<<  <   >  >>