للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾، ثم أثنى على طريقة الراسخين في العلم، فقال: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، فكان من شأن الراسخين في العلم رد المتشابه إلى المحكم؛ فيعتصمون بالمحكم، ويحملون عليه المتشابه، فإذا كان هذا مسلكا رشيدًا، راسخًا، في أعظم كتاب؛ وهو كتاب رب العالمين، القرآن المجيد، فلأن نصنع ذلك فيما دونه من باب أولى.

فقول المؤلف هنا: (فلا يعذر بالجهل) لم يُرد بها المسألة التي اشتغل بها المتأخرون في العقود الأخيرة؛ "مسألة العذر بالجهل" هل يعذر بالجهل أم لا يعذر بالجهل؟ فليس من مذهب المؤلف عدم العذر بالجهل، وإنما أراد بالجهل هنا مخالفة ما علم من حقيقة التوحيد، كما خالفها جهال المشركين زمن النبي .

ولا شك أن مسألة التكفير من المسائل الخطيرة، فهي مزلة أقدام، ومضلة أفهام، وتشتد الحاجة إلى تحريرها في هذه الأزمان التي ابتليت فيه الأمة الإسلامية ببعض المسارعين في التكفير للأعيان. والأمر لا يقتصر على كلام يقال باللسان، ويطير بالعنان، بل له تبعات خطيرة، وآثار وخيمة. لقد أدى هذا المسلك الغالي، إلى تفكك الأمة واحترابها، ونشأ عنه فساد عريض، ووجد في أهل الإسلام من يتنابزون بالألقاب، ويكفر بعضهم بعضًا، ويستحل بعضهم دماء بعض. وكان من آثار ذلك ومظاهره، استحلال التفجير؛ فيقصد قومًا غارِّين من جملة المسلمين، فيقتلهم أجمعين، بدعوى أن من يرى كفره، وقد لا يكون كذلك، أو يكون كذلك، لكنه من جملة المعصومين من المعاهدين والمستأمنين، يتترس بهم! ويهلك الحرث والنسل.

<<  <   >  >>