أعانهم على ذلك خيانة، وحقد دفين، مع ضعف في أواصر الأمة، وسوء تدبير ولاتها، واضمحلال أسباب التمكين فيها: ﴿ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم﴾ [الأنفال: ٥٣].
دخل التتار العراق، وقتلوا الخليفة المستعصم بالله ﵀ وجميع من معه من مساعديه وقواده، وقتلوا كثيرا من العلماء والقضاة والأعيان، ودمروا المساجد والمدارس والبيوت، ووضعوا السيف في الناس.
قال ابن كثير، وهو يصف ما فعله المغول في بغداد: قتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان (١)، ودخل كثير من الناس في الآبار، وأماكن الحشوش، وقني الوسخ، وكمنوا كذلك أياما لا يظهرون.
وكان الفئام من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي المكان فيقتلونهم في الأسطحة، حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
(١) قال الذهبي في (تاريخ الإسلام) (١٤/ ٧٣ - بشار): واستمر القتل والسبي في بغداد بضعا وثلاثين يوما، ولم ينج إلا من اختفى. فبلغنا أن هولاكو أمر - بعد ذلك بعد القتلى فبلغوا ألف ألف وثمانمئة ألف وكسر. والأصح أنهم بلغوا ثمانمئة ألف. ثم نودي - بعد ذلك - بالأمان، وظهر من كان قد تخبأ وهم قليل من كثير.