ولا ريب أن سبط ابن الجوزي في تلك الأيام لم ينقطع عن المعظم عيسى، فكان يزوره في نابلس، أو يلتقيه في دمشق حين يأتي لتفقد شؤونها، مخالفا بذلك سيرة مشايخه المقادسة من آل قدامة والعلماء ممن يرى النأي بنفسه عن السلطان، مسوعا صنيعه هذا بقوله:«رأيت قوام الخلق كلهم بعلمائهم وأمرائهم، ورأيت العلماء بالغالب منقسمين إلى خير يخاف على دينه، فيبعد عن الأمير، ومنافق يخالط السلطان مخالطة الشرير، مراده استلاب دنياه، فلا يأمره ولا ينهاه .. فإذا كان هذا يؤذي السلطان بالقرب منه، والعالم الخير ينأى عنه، فمن الذي ينبهه على الصواب، ويفقهه بآداب السنة والكتاب؟»(١).
واطمأن المعظم لصفاء صداقته، فصار يبوح له في تلك اللقاءات ببعض ما جرى له في حياته (٢)، وبلغ من قوة تلك الصداقة مع الأيام أن المعظم عيسى لم يعد يصبر على فراقه، فاصطحبه معه حين عزم على السفر إلى مصر سنة ٦٠٩ هـ/ ١٢١٢ م (٣) للقاء والده العادل (٤). ويصلا إلى مصر في جمادى الأولى (٥)، ويستقبل سبط ابن الجوزي في القاهرة الملك الكامل محمد بن العادل، النائب عن أبيه في مصر، وينزله تكريما له في دار الوزارة (٦). ولعل سبط ابن الجوزي في هذه الزيارة قابل الملك العادل، وسأله عن مولده، فقال: فتوح الرها؛ يعني: سنة ٥٣٩ هـ/ ١١٤٤ م. ويعجب بصحبة العادل، فقد رآه خليقا بالملك، حسن التدبير، حليما صفوحا (٧).
(١) الجليس الصالح (١٩٦). (٢) مرآة الزمان (٢٢/ ٧٠). (٣) مرآة الزمان (٢٢/ ١٩١، ٣٤٧). (٤) مفرج الكروب (٣/ ٢٠٩)، وذكر أن ذلك كان سنة ٦٠٨ هـ/ ١٢١٢ م، وإخاله وهما لا يتفق وسياق الأحداث. (٥) تذكرة الخواص (٢٦٣). (٦) مرآة الزمان (٢٢/ ٣٤٧). (٧) مرآة الزمان (٢٢/ ٢٣٠)، وينظر عن فتح عماد الدين زنكي للرها: «مرآة الزمان» (٢٠/ ٣٤٩ - ٣٥٠)، و «كتاب الروضتين» (١/ ١٣٨ - ١٤٩).