للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جهان، وأن غلمانه كانوا يسبقون الناس إلى المناهل، فيأخذون الماء، فيرشون به حول خيمته، ويسقون أحواض البقل على الجمال، فمات عطشا أكثر الناس. ولفداحة معاناتهم في صحبته سموا هذه السنة سنة صدر جهنم.

فلما وصل إلى بغداد لم يخرج أحد للقائه، ولعنوه في وجهه، وسبوه في الأسواق، وكتبوا لعنته على المساجد والجوامع. وخرجت النساء صارخات منشرات الشعور، يلطمن على موتاهن، ويقلن: العنوا صدر جهنم. فغادر بغداد، والناس خلفه يسبونه، ولم يقدر أحد على منعهم (١).

وربما في تلك الأيام كان سبط ابن الجوزي يزور الشيخ مصدق (٢) بن شبيب بن الحسين النحوي، المقيم في رباط شيخه (٣) الزاهد الواعظ صدقة بن وزير الواسطي، المتوفى سنة ٥٥٧ هـ/ ١١٦٢ م. وكان صدقه في وعظه وتقشفه الزائد قد أخذ قلوب العوام، حتى عد من الأولياء الأفراد (٤). وكان تلميذه مصدق على طريقه في الزهد والعبادة، منقطعا عن الناس (٥). فكان سبط ابن الجوزي يجلس إليه، ويسمع منه عجائب من زهد شيخه وورعه وأمانته وديانته (٦).

وزار كذلك مشهد الإمام أبي حنيفة النعمان، واطلع فيه على أكثر مصنفات الجاحظ، ولا سيما كتابه «الحيوان»، فلم يعجبه، إذ رأى أنه كتاب كثير الحشو، قليل الفائدة (٧).

وزار رباط المأمونية، وكان يسكن فيه داود بن أبي الغنائم الضرير، وهو على رأي الأوائل، ويتستر بمذهب الظاهرية، فيلتقيه سبط ابن الجوزي، ويسمع منه بعض أشعاره الرقيقة (٨). ويطالع في وقف هذا الرباط


(١) مرآة الزمان (٢٢/ ١٥٧)، والمذيل على الروضتين (١/ ١٨٤).
(٢) مرآة الزمان (٢١/ ٢٩).
(٣) المذيل على الروضتين (١/ ٢٠٠).
(٤) مرآة الزمان (٢١/ ٢٨، ٢٩).
(٥) المذيل على الروضتين (١/ ٢٠٠).
(٦) مرآة الزمان (٢٢/ ٢٩).
(٧) مرآة الزمان (١٥/ ٣٥١).
(٨) مرآة الزمان (٢٢/ ٢٢٨ - ٢٢٩).

<<  <   >  >>