ثم غادرها إلى حران، فسمع من شيوخها: يحيى بن أبي الفتح بن الطباخ الضرير (١)، وموفق الدين حمد بن أحمد الحراني، المعروف بابن صديق (٢)، وأبي محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي (٣)، وخطيبها البارع وواعظها فخر الدين محمد بن أبي القاسم الخضر ابن تيمية (٤)، وحضر خطبه في جامعها، وسمعه مرة ينشد يوم الجمعة بعد الصلاة على المنبر:
أحبابنا قد نذرت مقلتي … ما تلتقي بالنوم أو نلتقي
رفقا بقلب مغرم واعطفوا … على سقام الجسد المعرق
كم تمطلوني بليالي اللقا … قد ذهب العمر ولم نلتق (٥)
وكعادته في كل بلد ينزل فيه، عقد سبط ابن الجوزي بها مجالس للوعظ (٦). ويبدو أنه لم يجد ترحيبا من فخر الدين ابن تيمية، فكتب عنه في «مرآته»: «كان ضنينا بحران متى نبغ فيها أحد لا يزال وراءه حتى يخرجه منها، ويبعده عنها»(٧).
ومن ثم شد الرحال إلى حلب (٨)، ضيفا على أتابكها شهاب الدين طغريل؛ عتيق صاحبها الملك الظاهر غازي بن السلطان صلاح الدين. وكان شهاب الدين صالحا عفيفا، زاهدا عابدا. فأنزله في الخانقاه التي
(١) مرآة الزمان (٢٢/ ١٣٥، ١٨٥)، والجليس الصالح (٢٩٢، ٢٩٩). (٢) مرآة الزمان (٢٢/ ١٢٦)، وتنظر ترجمته في: «تاريخ الإسلام» (١٤/ ١٣٤)، و «توضيح المشتبه» (٥/ ٤٢٠). (٣) الجليس الصالح (٢٩٨). (٤) مرآة الزمان (٢٢/ ١٣٥)، والجليس الصالح (١٦٩، ٢٢٤)، وسير أعلام النبلاء (٢٢/ ٢٨٨ - ٢٨٩). (٥) مرآة الزمان (٢٢/ ٢٧٨)، والمذيل على الروضتين (١/ ٣٨٣). (٦) مرآة الزمان (٢٢/ ١٣٥). (٧) المذيل على الروضتين (١/ ٣٨٣)، ووفيات الأعيان (٤/ ٣٨٧)، وهذا النص مما نقله أبو شامة وابن خلكان من كتابه «مرآة الزمان»، وأسقطه اليونيني في اختصاره. (٨) مرآة الزمان (٢٢/ ١٣٥).