للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه يلهي القلب عن التفكر في عظمة الله سبحانه والقيام بخدمته. والثاني أنه يميله إلى اللذات العاجلة التي تدعو إلى استيفائها من جميع الشهوات الحسية ومعظمها النكاح، وليس تمام لذته إلا في المتجددات، ولا سبيل إلى كثرة المتجددات من الحل، فلذلك يحث على الزنا فبين الغناء والزنا تناسب من جهة أن الغناء لذة الروح والزنا أكبر لذات النفس، ولهذا جاء في الحديث «الغناء رقية الزنا» (١). وقد ذكر أبو جعفر الطبري أن الذي أتخذ الملاهي رجل من ولد قابيل يقال له: ثوبال، اتخذ في زمان مهلائيل ابن قينان آلات اللهو من المزامير والطبول والعيدان، فانهمك ولد قابيل في اللهو وتناهى خبرهم إلى من بالجبل من نسل شيث، فنزل منهم قوم وقشت الفاحشة وشرب الخمور.

قال المصنف : وهذا لأن الالتذاذ بشيء يدعو إلى التذاذه بغيره خصوصا ما يناسبه، ولا يئس إبليس أن يسمع من المتعبدين شيئا من الاصوات المحرمة كالعود، نظر الى المعنى الحاصل بالعود فدرجه في ضمن الغناء بغير العود وحسنه لهم، وإنما مراده التدريج من شيء إلى شيء، والفقيه من نظر في الأسباب والنتائج وتأمل المقاصد، فإن النظر إلى الأمرد مباح إن أمن ثوران الشهوة فإن لم يؤمن لم يجز. وتقبيل الصبية التي لها من العمر ثلاث سنوات جائز إذ لا شهوة تقع هناك في الأغلب فإن وجد شهوة حرم ذلك وكذلك الخلوة بذوات المحارم فإن خيف من ذلك حرم فتأمل هذه القاعدة.

[فصل تكلم الناس في الغناء]

قال المصنف : وقد تكلم الناس في الغناء فأطالوا، فمنهم من حرمه ومنهم من أباحه من غير كراهة ومنهم من كرهه مع الإباحة. وفصل الخطاب أن نقول: ينبغي أن ينظر في ماهية الشيء ثم يطلق عليه التحريم أو الكراهة أو غير ذلك، والغناء اسم يطلق على أشياء منها غناء الحجيج في الطرقات، فإن أقواما من الأعاجم يقدمون للحج فينشدون في الطرقات أشعارا يصفون فيها الكعبة وزمزم والمقام، وربما ضربوا مع انشادهم.


(١) قال الفارسي في «الموضوعات»: هو من كلام الفضل بن عياض.

<<  <   >  >>