وَادِّعَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مِنْ قِبَلِهِ دُوْنَ صَاحِبِهِ.
كَمَا أَخْبَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ أَحْمَدَ النَّحَوِيُّ عَنْ ابنِ دُرَيْدٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ أَبِيْهِ عَنِ ابنِ الكَلْبِيّ عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: حَضرَ الحَارِثُ بنُ الطُّفَيْلِ الأَزْدِيُّ عُكَاظَ، وَكَانَ فَارِسًا شَاعِرًا، وبِهَا عَنْتَرَةُ بنُ شَدَّادٍ العَبْسِيُّ، وَكَانَ عَنْتَرَةُ قَدْ قَالَ: [من الكامل]
لِمَنِ الدِّيَارُ عَفَوْنَ بِالسَّهْبِ ... بُنِيَتْ عَلَى خَطْبٍ مِنَ الخَطْبِ
ثُمَّ أجْبَلَ، أي انْقَطَعَ، فَقَالَ الحَارِثُ بنُ الطُّفَيْلِ: [من الكامل]
إِذْ لَا تَرَى إِلَّا مُقَاتِلَةً ... وَعَجَالِزًا يُرْقِلْنَ بِالرَّكْبِ
وَمُدَجَّجًا (١) يَسْعَى بِشِكَّتِهِ ... مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ كَالْكَلْبِ
وَمَعَاشِرًا صَدَأُ الحَدِيْدِ بِهِمْ ... عَبَقَ الهَنَاءِ مَخَاطِمَ الجُرْبِ
لَمَّا سَمِعْتُ نَزَالِ قَدْ دُعِيَتْ ... أيْقَنْتُ أنَّهُمُ بنُو كَعْبِ
كَعْبِ بنِ عَمْرِو لَا كَكَعْبِ ... بَنِي العَنْقَاءِ وَالبَيْتَانِ لِلسَّبِّ
فَرَمَيْتُ كَبْشَهُمُ بِقَرْحَتِهِ ... فَمَضَى وَرَاشُوهُ بِذِي لَغْبِ
شَكُّوا يَدَيْهِ بِالرِّمَاحِ كَمَا ... شَكَّ الصَّرِيْعُ تَرَافُدَ الشَّعْبِ
فَكَأَنَّ مُهْرِي ظَلَّ مُنْغَمِسًا ... بِشَبَا الأَسِنَّةِ مَغْرَةَ الجَأْبِ
بَلْ رُبَّ مَوْضُوْعٍ رَفَعْتُ وَمَرْ ... فُوْعٍ وَضعْتُ بِمَنْزِلِ النُّصِبِ
فَقَالَ عَنْتَرَةُ: أَنَا وَاللَّهِ قَاِئِلُهَا، فَقَالَ الحَارِثُ: أَنَا وَاللَّهِ قَائِلُهَا، فَتَبَاهَلَا أَنْ
(١) يُقَالُ: كَمِيٌّ مُدَجِّجٌ وَمُدَجَّجٌ بِكَسْرِ الجِّيْمِ الأوْلَى وَفتحَهَا مَعًا. مَأْخُوْذٌ مِنَ الدُّجنَّةِ وَهِيَ الظُّلْمَةِ.
* * *
قَالَ الأَصمَعِيُّ: قِيْلَ لِكُثَيِّرٍ مَا لَكَ لَا تَقُوْلُ الشِّعْرَ أَجْبَلْتَ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا كَانَ ذَلِكَ وَلَكِنْ فَقَدْتُ الشَّبَابَ فَمَا أَطْرَبُ وَزُرِيْتُ عزَّةَ فَمَا أَنْسبُ وَمَاتَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فَمَا أَرْغَبُ يَعْنِي عَبْدُ العَزِيْزِ بن مَرْوَانَ. أَجْبَلْتَ أَيْ انْقَطَعْتَ عَنْ قَوْلِ الشِّعْرِ مَأْخُوْذٌ مِنْ قَوْلهِمْ أَجْبَلَ الحَافِرُ إِذَا انْتَهَى إِلَى جَبَلٍ فَلَمْ يُمْكِنُهُ الحَفْرُ.