*ونظير ذلك:
ما ورد في قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ) (الأعراف/٥٧)
فلا شك أن الله - تعالى- جعل الرياح التى تحمل السحاب سبباً لإنزال المطر، مع كون الجميع من خلق الله وتقديره.
* يؤيده:
قوله تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات/٩٦)
فمما يدخل في عموم خلق الله - تعالى- أعمال العباد، فهى مخلوقة لله بنص الآية، ومن أعمال العباد ما ورد في الحديث الذى أشكلوا عليه، والذى هو قيامهم بتهويد وتنصير أبناءهم.
*وقد ورد عن ابن وهب قال: سمعت مالكاً وقيل له إن أهل الأهواء يحتجون علينا بهذا الحديث؛ يعني قوله " فأبواه يهودانه أو ينصرانه "، فقال مالك:
احْتجَّ عليهم بآخره. (١)
* وقول مالك: " احْتجَّ عليهم بآخره ": يقصد ما ورد في إحدى روايات حديث الباب أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«مَنْ يُولَدُ يُولَدُ عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ، كَمَا تَنْتِجُونَ الْإِبِلَ، فَهَلْ تَجِدُونَ فِيهَا جَدْعَاءَ، حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ:
أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ صَغِيرًا؟
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ». (٢)
ووجه ذلك:
أن أهل القدر استدلوا على أن الله -تعالى - لا يضل أحداً، وإنما يضل الكافرَ أبواه، فأشار مالك إلى الرد عليهم بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" الله أعلم بما كانوا عاملين "؛ فهو دال على أن الله -تعالى- يعلم بما يصيرون إليه من الهدى أو الضلالة، فهو دليل على تقدم العلم الذي ينكره غلاتهم، ومن ثم قال الشافعي عن أهل القدر: إن أثبتوا العلم خُصموا.
فقوله فأبواه يهودانه... محمول على أن ذلك يقع بتقدير الله تعالى.
(١) أخرجه أبوداود (٤٧١٥) وصححه الألبانى.
(٢) متفق عليه