نريد منكم أن تفرَّقوا بين الرؤية والإدراك، فالأمر الذى نفته الأية بلا شك إنما هو الإدراك لا الرؤية، فالله -عزوجل -لا تدركه الأبصار، ولا تحويه عز وجل، وهو-عزوجل- يُرى من غير إدراك، كما يقول الرجل:
رأيتُ البحر، مع أنه لم يدركه، لذا فإن الإدراك أخص من مطلق الرؤية، لأن الادراك رؤية خاصة؛ وهي الرؤية علي جهة الإحاطة، كما في قوله تعالي:
{لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى} ومعلوم أنه لم يخف الرؤية وإنما خاف الإحاطة. (١).
ونظيرذلك::
الفرق بين العلم بالله والإحاطة به سبحانه، فالذى قال (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّااللَّهُ) هو سبحانه الذى قال (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا)
فالله -تعالي-يُري ولا يُدْرك، كما أنه يُعلْم ولا يُحاط به علماً.
وعليه فمن يستدل على نفى الرؤية بنفي الإدراك فهو ممن يجهل الفرق بين الأمرين.
وكم من عائب قولًا صحيحاً... * وآفته من الفهم السقيم.
* يؤيده:
قال ابن القيم:
وتأمل قوله تعالى:{لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} كيف نفى فعل الإدراك بـ " لا " الدالة على طول النفي ودوامه، فإنه لا يدرك أبداً وإن رآه المؤمنون، فأبصارهم لا تدركه تعالى عن أن يحيط به مخلوق، وكيف نفى الرؤية بـ " لن " فقال: {لَنْ تَرَانِي}؛ لأن النفي بها لا يتأبد. (٢)
*بل يقال هنا: أن هذه الأية تصلح لأن تكون دليلاً لأهل السنة:
(١) الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (ص/٦٤٨) (٢) بدائع الفوائد (١/ ٩٦)