"في هذا الحديث حُجّةٌ لقاعدة عظيمة لأهل السنة: أنّ مَن قتلَ نفسَه أو ارتكبَ معصيةً غيرَها وماتَ مِن غيرِ توبةٍ- فليس بكافر، ولا يُقطعُ له بالنار، بل هو في حُكم المشيئة.
وهذا الحديث شرحٌ للأحاديث التي قبلَه المُوهِمِ ظاهِرُها تَخليدَ قاتل النفس وغيرِه من أصحاب الكبائر في النار". (٢)
* ذكرَ الشالنجي أنه سأل أحمد بن حنبل عن المُصِرِّ على الكبائر يطلُبُها بجهده -أي: يطلب الذنب بجهده- إلّا أنّه لم يترك الصلاة والزكاة والصوم؛ هل يكون مُصرّاً مَن كانت هذه حالَهُ؟ قال:"هو مُصِرٌّ، مثل قوله:
«لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» يَخرجُ من الإيمان، ويَقَعُ في الإسلام! ومِن نَحْوِ قولِه:«ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن»، ومِن نحوِ قولِ ابنِ عبّاسٍ في قوله:
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة: ٤٤]، فقلتُ له: ما هذا الكفرُ؟ قال: كُفرٌ لا يَنقلُ عن المِلّة، مثل الإيمان بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ". (٣)
* قال أبو عبيد:
"وأمّا الآثارُ المرويّات بذِكر الكفر والشرك ووُجوبهما بالمعاصي- فإنّ معناها عندنا: ليست تُثبتُ على أهلها كفراً ولا شركاً يُزيلانِ الإيمانَ عن صاحبه، إنّما وجوهها: أنّها من الأخلاق والسُّنن التي عليها الكفّارُ". (٤)
* وهذا ما دلت عليه الأدلة الأخرى التي أبقت على مُسمَّى الإيمان والأخوّة بين المتقاتلين: في قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا...}
(١) أخرجه مسلم (١١٦). (٢) شرح النووي على مسلم (٢/ ١٣٢). (٣) مجموع الفتاوى (٧/ ٢٥٤). (٤) الإيمان لأبي عبيد (ص/٩٣).