** نقول أوّلاً: هذا السؤال في كيفية وقوع المناظرة لا بد أن يسبقه أمر مهم، وهو أننا نسلّم بما جاء عن الله على مراد الله، ونسلّم بما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على مراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذلك على طريقة الراسخين في العلم، قال - تَعالَى -: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}[آل عمران: ٧]، بلا خوضٍ في الغيب.
** ثانياً: اختلف العلماء في كيفية وقوع هذه المناظرة على أوجُهٍ:
* الوجه الأول:
قيل: إن هذه المناظرة وقعت بين رُوحَيْهِما في السماء:
وقال بذلك: أبو الحسن القابسي، وابن عبد البَرّ.
وهذا لا يَبعُد، خاصّةً أنه ورد في رواية مسلم:«احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عِنْدَ رَبِّهِمَا...»، وهذا الحديث ترجم له البخاري بقوله: "بَابُ: تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَىُ عِنْدَ اللَّهِ»، وبناءً على هذا الوجه يكون ذلك من الأمور البَرْزَخِيّة التي تَؤول كيفيّتُها إلى الله - تَعالَى -؛ فإن الحياة البرزخية لا تَجري عليها سُنن الحياة الدنيوية.
* وقد وقع للنبي -صلى الله عليه وسلم- نظير لذلك في حادثة الإسراء والمعراج، فقد صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء. (١)
* الوجه الثاني:
قيل: يُحتمل أنَّ ذلك كان في حياة موسى -عليه السلام- وأنه سأل ربَّه أن يُريَه آدمَ -عليه السلام-، فاستجاب الله -تعالى- له ذلك، فوقعت بينهما تلك المناظرة.
(١) هل كان التقاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء بأجسادهم مع أرواحهم، أم بأرواحهم دُونَ أجسادهم؟ قولان لأهل العلم... قال الحافظ ابن حجر: "وقد استُشْكَلَ رؤيةُ الأنبياء في السماوات مع أنّ أجسادهم مستقرّة في قُبورهم بالأرض، وأُجِيبَ بأنّ: أرواحهم تشكّلت بصُوَر أجسادهم، أو أُحْضِرَتْ أجسادُهم لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلةَ، تشريفاً له وتكريماً" ا. هـ. والراجح -والله أعلم- أنه التقى أرواحَهم متشكِّلةً بصُوَر أجسادهم، باستثناء عيسى -عَلَيْهِ السَّلامُ-، حيث رُفع برُوحه وبَدَنه. فالأنبياء -عليهم السلام- أبدانهم في قبورهم، وأرواحهم في السماء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "رأى أرواحَهم مصوَّرةً في صُوَر أبدانهم". وانظر فتح الباري (٧/ ٢١٠) ومجموع الفتاوى (٤/ ٣٢٨).