ما يُروى عن الإمام مالك -رحمه الله- من كراهته التحديثَ بأحاديث الصورة، فالجواب عليه مِن وُجوهٍ:
١ - أن الإسناد إليه في ذلك فيه مَقالٌ، فهو مرويّ عن مِقدامِ بنِ داودَ، وقد تكلم بعض الأئمة في هذا الراوي.
٢ - أن الإمام مالكاً لم يَبْلُغْه حديثُ الصورة.
قال الذهبيّ:"أنكر الإمام ذلك؛ لأنه لم يثبُت عندَه ولا اتّصلَ به، فهو معذورٌ". (١)
٣ - أنّ الإمام مالك -على تقدير أنه ثَبَتَ عنه النهي عن التحديث بحديث الصورة- لعلَّه كان يخشى أن يكون في التحديث بذلك فتنةٌ لبعض الناس، فيشبّهوا اللهَ بخلقه، أو يتأولوا الحديثَ بما يوافق أقوال الجهمية.
وهذا الذي رجحه ابن عبد البَرّ، حيث قال:"وإنما كَرِهَ ذلك مالكٌ خشيةَ الخوض في التشبيه بكيفٍ هاهُنا". (٢)
وقد قال ابن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنه قال:"ما أنتَ بمُحَدِّثٍ قوماً حديثاً لا تَبْلُغُه عقولُهم إلا كان لبعضهم فتنةً". (٣)
قال ابن قُدامةَ:
"ومِن أجْل ذلك فقد صحَّ عن عمرَ بن الخطاب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنْ عاقَبَ صبيغ العراقيّ لأجْل سؤاله عن المتشابه".
وقد قيل لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: يا أمير المؤمنين، إنّا لَقِينا رجلاً يسأل عن تأويل القرآن، فقال: اللهُمَّ أَمْكِنِّي منه. قال: فبَيْنَما عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ذاتَ يوم يغدي الناس إذْ جاءه عليه ثياب وعِمامة، فتغدى حتى إذا فَرَغَ قال: يا أمير المؤمنين، {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً *
(١) وانظر [سِيَر أعلام النبلاء] (٨/ ١٠٤)، و [دفع إيهام التشبيه] (ص/١٧٨). (٢) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (٧/ ١٥٠) (٣) مقدمة صحيح مسلم (١/ ١١).