وإن لم يقعد على السرير البتة. (١)
قال أبو منصور البغدادي:
والصحيح عندنا تأويل العرش على معنى الملك، كأنه أراد أن الملْك ما استوى لأحد غيره.
وهذا التأويل مأخوذ من قول العرب " ثُلَّ عرش فلان " إذا ذهب ملكه، وقال متمم بن نويرة في هذا المعنى:
" عُرُوشٌ تفانوا على عِزٍ وأمة... هووا بعد ما نالوا السلامةَ والبقا " (٢)
*ومن الرد عليهم في هذه الفرية:
١ - ما ورد من أدلة على وجود حملة للعرش؛ فهى دالة على أنه عرش على الحقيقة، وليس أن العرش هو الملك، كما يدَّعي المخالفون.
قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} (غافر: ٧)
وقال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} (الحاقة: ١٧)
قال أبو العباس ابن تيمية:
ثم إن قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ}، وقوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} يوجب أن لله -تعالى- عرشاً يُحمل، ويوجب أن ذلك العرش ليس هو الملك، كما تقوله طائفة من الجهمية. (٣)
٢ - قد قال تعالى {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ} (هود: ٧)
فعلى القول أن العرش هو الملْك، فهل يقال أن ملْك الله -تعالى-كان على الماء فقط؟!
*ومن أدلة السنة على أنه عرش على الحقيقة:
ما رواه جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ-رضى الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
«أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ». (٤)
(١) انظر "الكشَّاف " (٣/ ٥٢) " شرح الأصول الخمسة " (ص/ ٢٢٦)
(٢) "أصول الدين" (ص /١١٢)
(٣) بيان تلبيس الجهمية (٣/ ٢٧٨)
(٤) أخرجه أبوداود (٤٧٢٧) وأورده ابن كثير في "تفسيره": (٤/ ٤١٤)، وقال: إسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات. وقال الذهبي " (ص/١١٤): " إسناده صحيح". وانظر "مختصر العلو للعلي الغفار" (ص/١١٤) والسلسلة الصحيحة (ح/١٥١)