قالَ أَبو عمَرَ: ظَاهِرُ هَذِه الرِّوَايةِ يُبِيحُ الخُرُوجَ مِنْ أَرْضِ الطَّاعُونِ وإنْ قَصَدَ الخَارِجُ بِخُرُوجهِ الفِرَارَ مِنْهُ، وهَذا خِلَافُ مَعْنَى قَوْلهِ: "لا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ" وَرِوَايةُ ابنِ المُنْكَدِرِ إنَّمَا تُبِيحُ الخُرُوجَ إذا لَمْ يَقْصِد الخَارِجُ بِخُرُوجِهِ الفِرَارَ مِنْ قَدَرِ اللهِ.
[قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ] (١): سأَلْتُ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ عَنْ رِوَايةِ يحيى مِنْ طَرِيقِ أَبي النَّضْرِ: "لا يُخْرِجُكُمْ إلَّا فِرَارًا مِنْهُ"، فَقَالُوا: لا يُخْرِجُكُمْ إلَّا فِرَارًا مِنْهُ إنْ خَرَجْتُمْ، ومَعْنَى هَذِه الرِّوَايةِ: لا يُخْرِجُكُمْ إلَّا فِرَارًا مِنْهُ إنْ خَرَجْتُمْ، وظَاهِرُ هَذِه الرِّوَايةِ تَمْنَعُ مِنَ الخُرُوجِ مِنْ أَرْضِ الطَاعُونِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَرَوى ابنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبي النَّضْرِ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وذَكَرَ الحَدِيثَ، وقَالَ في آخِرِه: "إذا وَقَعَ بأَرْضٍ وأَنتمْ فِيهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا لا يُخْرِجُكُمْ إلَّا فِرَارًا مِنْهُ" (٢).
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَرِوَايةُ ابنِ بُكَيرٍ في هَذا الحَدِيثِ عَنْ مالكٍ، عَنِ أَبي النَّضْرِ تُوَافِقُ مَعْنَى مَا رَوَاهُ ابنُ المُنْكَدِرِ: أنَّ الخُرُوجَ مِنْ أَرْضِ الطَّاعُونِ مُبَاحٌ لِمَنْ أَرَادَ أنْ يَخْرُجَ إنْ لَمْ يَرِدْ بِخُرُوجِهِ الفِرَارَ مِنَ الطَّاعُونِ، وإذَا خَرَجَ فَارًّا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ.
* [قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: (رُكْبَةُ) [٣٣٣٣] الَّتي أَحَبَّهَا عُمَرُ وفَضَّلَ سُكْنَاهَا عَلَى الشَّامِ هِيَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ والعِرَاقِ في نَاحِيةِ الطَّائِفِ، وأَرَادَ عُمَرُ أَنَّ سَاكِنِيهَا أَطْوَلَ أَعْمَارًا وأَسْلَمَ أَبْدَانًا مِمَّنْ سَكَنَ أَرْضَ الشَّامِ، مِنْ أَجْلِ كَثْرَةِ الوَبَاءِ بالشَّامِ، ولَمْ يُرِدْ عُمَرُ أَنَّ (رُكْبَةَ) تَزِيدُ في طُولِ أَعْمَارِ أَهْلِهَا, ولَكِنْ لَمَّا قَدَّرَ اللهُ أَعْمَارَهُمْ طَوِيلَةً سَكَّنَهُمْ في تِلْكَ الأَرْضِ، فأَحَبَّ عُمَرُ في هَذا الحَدِيثِ طُولَ البَقَاءِ في الدُّنيا، والمُعَافَاةَ
(١) في الأصل رمز الناسخ بعلامة (ع)، وهي اختصار لإسم المصنف، وقد فعلت هذا في مواضع مشابهة تقدمت.(٢) موطأ ابن بكير، الورقة (١٨١ أ)، نسخة تركيا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute