وجه الدلالة: أنَّ الشارع ﵎ أوجب الوفاء بالعقود، وعقد البيع بَعْدَ الإيجاب والقبول وقبل مفارقة المجلس أو التخيير يسمى عقداً أيضاً، فيكون داخلاً في عموم هَذَا النص، والقول بخلافه إبطال للنص.
وأجابوا عن الْحَدِيْث بأنه:
خبر آحاد مخالف لظاهر الكِتَاب فيجب تأويله، فيحمل التفرق الوارد في الْحَدِيْث عَلَى التفرق بالأقوال لا بالأبدان، جمعاً بَيْنَ النصوص الواردة في هَذَا (١).
ونجيب عَنْهُ بِمَا يأتي:
أما كون الْحَدِيْث آحادياً: فَقَدْ أبطلنا ذَلِكَ في ما مضى، وبينا أنَّ الْحَدِيْث في أقل أحواله مشهور، وللمشهور عِنْدَ الحنفية حكم المتواتر في جواز تخصيص عمومات الكِتَاب بِهِ (٢).
وأما كون المراد التفرق بالأقوال: فهو خلاف المتبادر إلى الذهن من أنَّ المراد التفرق بالأبدان، ونضيف بأنَّ من الْمُسلّمَات - إذا سرنا عَلَى أصول الحنفية - أنَّ راوي الْحديث أعلم بتفسيره لذا ردوا حَدِيْث ولوغ الكلب، وإذا حكّمنا هَذِهِ القاعدة هنا بانت الحجة عَلَيْهِمْ، فهذا الْحدِيْث من رواية ابن عمر ﵄ وَقَدْ أخرج البُخَاريُّ (٣) من طريق يحيى بن سعيد، عن نافع، قَالَ: وَكَانَ ابن عمر إذا اشترى شيئاً يعجبه فارق صاحبه. رواه مسلم (٤) من طريق ابن جريج، عن نافع بلفظ: فكانَ إذا بايعَ رجلاً فأراد أن لا يُقيله، قام فمشى هنية، ثُمَّ رجع إِلَيْهِ.
كَمَا أنَّ في بَعْض ألفاظ الْحدِيْث من رواية ابن عمر وغيره من الصحابة ﵃ التصريح بما يخالف تأويل الحنفية لهذا الْحدِيْث.
(١) انظر: " بدائع الصنائع " ٥/ ٢٢٨، و" شرح فتح القدير " ٥/ ٨١. (٢) انظر: " ميزان الأصول ": ٤٢٩ - ٤٣٠ تح د. محمد زكي عبد البر و ٢/ ٦٣٣ - ٦٣٤ تح د. عبد الملك السعدي. (٣) في " صحيحه " ٣/ ٨٣ عقب (٢١٠٧). (٤) في " صحيحه " ٥/ ١٠ (١٥٣١) عقب (٤٥).