فالتدليس لغة: مأخوذ من الدَّلَسِ - بالتحريك - وَهُوَ اختلاط الظلام الذي هو سبب لتغطية الأشياء عن البصر (١). قال ابن حجر:«وكأنَّه أظلم على الناظر؛ لتغطية وجه الصواب فيه»(٢). ومنه التدليس في البيع، يقال: دلس فلان على فلان، أي: ستر عنه العيب الذي في متاعه كأنَّه أظلم عليه الأمر، وأصله مما ذكرنا من الدلس.
أما في الاصطلاح: فإنَّ التدليس صنيع لبعض الرواة فيه إيهام خلاف الواقع، وهو عندهم يتنوع إلى عدة أنواع:
[الأول: تدليس الإسناد]
وَهُوَ أن يروي الرَّاوِي عمن لقيه ما لَمْ يسمعه مِنْهُ بصيغة محتملة (٣).
والمراد بالصيغة المحتملة: أن لا يصرح بالسماع أَو الإخبار مثل: (حَدَّثَنَا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعت، وَقَالَ لنا)، وإنما يجيء بلفظ يحتمل الاتصال وعدمه، مثل:(إن، وعن، وَقَالَ، وحدّث، وروى، وذكر)، لذا لَمْ يقبل الْمُحَدِّثُوْنَ حَدِيْث المدلِّس ما لَمْ يصرِّح بالسماع (٤).
ومما دُلِّسَ فيه الضعفاء ما روى عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: «اكتحلوا بالإثمد، فإنَّه يجلو البصرَ وينبتُ الشعرَ». وزعم أنَّ النَّبيَّ ﷺ كانت له مكحلةٌ يكتحلُ بها كلَّ ليلةٍ ثلاثةً في هذه وثلاثةً في هذه.
أخرجه: الطيالسي (٢٦٨١)، ومن طريقه الترمذي (١٧٥٧) وفي "الشمائل"(٤٩) بتحقيقي وفي " العلل الكبير "، له: ٧٣٣ (٣٠٧)، والبيهقي ٤/ ٢٦١.
(١) " لسان العرب " و " القاموس المحيط " مادة (دلس). (٢) " النكت " ٢/ ٦١٤ و:٣٨٥ بتحقيقي. (٣) انظر: " معرفة أنواع علم الحديث ": ١٥٧ بتحقيقي، و" التقريب " المطبوع مع " التدريب " ١/ ٢٢٣، و " الخلاصة ": ٧٤. (٤) انظر: " معرفة أنواع علم الحديث ": ١٥٧ بتحقيقي، و " العواصم والقواصم " ٣/ ٦٠.