الصحة فمعدوم؛ لأنَّ عامة الوجوه التي روي بها هذا الحديث بذكر زيادة الرفع في السجود، لم تخلُ من مقال، إما باختلاف الراوي أو مخالفة الراوي لمن هو أوثق منه، أو الوهم في تلك الرواية، وغير ذلك مما تقدم.
وأما مسألة زيادة الثقة فهذه يجاب عنها بأمرين:
الأول: إن مثل هذا الأمر مما تتوافر فيه دوافع تواتر ناقليه، فيما لو صح، وأما أن يتفرّد راوٍ بنقل سُنّة تستوجب التواتر، ثم يختلف هذا الراوي فتارة يذكر الزيادة وتارة لا يذكرها، فهذا دليل على إعلال تلك اللفظة.
الثاني: كما هو معروف أن ليس كل زيادات الثقة مقبولة، وليس كل ما زاده مردود، وحكم ذلك من القبول والرد يعود على القرائن التي بها تُقبل تلك الزيادة أو تُرد، والأحاديث التي جاء فيها ذكر زيادة الرفع في السجود كما تقدم، لا تخلو من مقال، كما قدمناه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فمما لا شك فيه أنَّ زيادة الثقة تُقبل في حال عدم وجود ما يعارضها، أو ثبوت ما يناقضها، فإذا ثبتت المعارضة أو المخالفة رُدت تلك الزيادة، لا سيما إذا جاءت المعارضة بطرق أقوى من الطرق المستزادة، وفي هذه الأحاديث التي جاءت فيها زيادة رفع اليدين من السجود لو زادها مئة من الثقات لردها حديث ابن عمر وحده، فكيف وقد انضم إليه حديث علي! فكما تقدم أنَّ حديث ابن عمر كان ينفي الرفع بين السجدتين خصوصاً، وفي حديث علي ﵁ كان ينفي الرفع في القعود عموماً. ثم إنَّ أحاديث الباب التي حملها الصحابة لنا كان الرفع فيها يدور حول تكبيرة الاستفتاح وفي الركوع، وإذا رفع من الركوع، و إذا قام من الركعتين، فالرفع في هذه الحالات ثابت متواتر الصحة (١)، فلماذا
(١) قال البخاري في " رفع اليدين " (٩): «وكذلك يروى عن سبعة عشر نفساً من أصحاب النبيِّ ﷺ أنَّهم كانوا يرفعون أيديهم عند الركوع، منهم أبو قتادة الأنصاري، وأبو أسيد الساعدي البدري، ومحمد بن مسلمة البدري، وسهل بن سعد الساعدي، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، وأنس بن مالك خادم رسول الله ﷺ، وأبو هريرة الدوسي، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير بن العوام القرشي، ووائل بن حجر الحضرمي، ومالك بن الحويرث، وأبو موسى الأشعري، وأبو حميد الساعدي الأنصاري،
وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأم الدرداء رضي الله تعالى عنهم».