دفعه تساقطا (١) وصير إلى دليل غيرهما» (٢). ويفهم مِمَّا سبق أنَّ أحد الوجوه المختلفة إن كَانَ مروياً من طريق ضَعِيْف والآخر من طريق قوي فَلَا اضطراب والعَمَل بالطريق القوي، وإن لَمْ يَكُنْ كَذلِكَ، فإنْ أمكن الجمع بَيْنَ تِلْكَ الوجوه بحيث يمكن أن يَكُون المتكلم باللفظين الواردين أراد مَعْنًى واحداً فَلَا إشكال أيضاً؛ مِثْل أن يَكُون في أَحَد الوَجْهَيْنِ: عن رَجُل، وَفِي الوجه الآخر يُسَمَّى هَذَا الرجل فَقَدْ يَكُون هَذَا المسمى هُوَ ذَلِكَ المُبْهَم، فَلَا اضطراب إذن ولا تعارض، وإنْ لَمْ يَكُنْ كَذلِكَ بأنْ يُسَمَّى مثلاً الرَّاوِي باسم معين في
رِوَايَة وَيُسَمَّى باسم آخر في رِوَايَة أُخْرَى، فهذا محل نظر؛ إذ يتعارض فِيهِ أمران:
أحدهما: أَنَّهُ يجوز أن يَكُون الحَدِيْث عن الرجلين معاً.
والآخر: أنْ يغلب عَلَى الظن أنَّ الرَّاوِي واحد واختلف فِيهِ (٣). فهنا لا يخلو أنْ يَكُون الرجلان معاً ثقتين أولا، فإنْ كَانَا ثقتين فهنا لا يضر الاختلاف عِنْدَ كثيرين؛ لأنَّ الاختلاف كَيْفَ دار فَهُوَ عن ثِقَة، وبعضهم يَقُول: هَذَا
اضطراب يضرّ، لأَنَّهُ يدل عَلَى قلة الضَّبْط (٤).
ولخّص هَذَا التفصيل الحافظ العراقي في منظومته المسماة "التبصرة والتذكرة" إذ قَالَ:
مُضْطَرِبُ الَحدِيثِ ما قَدْ وَرَدَا … مُخْتَلِفاً مِنْ وَاحِدٍ فَأزْيَدَا
(١) لو عبّر بالتوقف لكان أولى، قال الحافظ ابن حجر في " نزهة النظر ": ٦٠: «والتعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط؛ لأنَّ خفاء ترجيح أحدهما على الآخر إنما هو بالنسبة للمعتبر في الحالة الراهنة، مع احتمال أنْ يظهر لغيره ما خفي عليه، والله أعلم». (٢) " ظفر الأماني ": ٣٩٨. (٣) قَدْ يقع الاضطراب والاختلاف من راو واحد لخلل طرأ في ضبط ذَلِكَ الشيء المضطرب فِيْهِ وحفظه، ثُمَّ إنّ الاضطراب لا يعرف من ظاهر سياق الْحَدِيْث الواحد، بَلْ يعرف الاضطراب بجمع طرق الْحَدِيْث ودراستها دراسة منهجية مع الفهم والمعرفة والممارسة الحديثية. (٤) انظر: " الاقتراح ": ٢٢٠ - ٢٢٢، و " حاشية محاسن الاصطلاح ": ٢٠٤، و" أثر علل الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء ": ١٩٧ - ١٩٨.