يجدر بالذكر أنه لَيْسَ كُلّ اختلاف اضطراباً، بَلْ شرط الاضطراب
أمران:
أحدهما: استواء وجوه الاختلاف في القوة، فمتى رجح أَحَد الأقوال
قُدم، وَلَا يعل الراجح بالمرجوح عِنْدَ أهل النقد.
والآخر: أنْ يتعذر - مَعَ الاستواء - الجمع بينها عَلَى قواعد المُحَدِّثِيْنَ، ويغلب عَلَى الظن أنَّ ذَلِكَ الحافظ لَمْ يضبط ذَلِكَ الحَدِيْث بعينه، فحينئذ يُحكم عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَة وحدها بالاضطراب، ويتوقف عن الحكم بصحة ذَلِكَ الحَدِيْث لِذلِكَ السبب (١).
وحول هَذَا المَعْنَى يدور قَوْل الحافظ ابن الصَّلاح:«وإنما نسميه مضطرباً إذا تساوت الروايتان، أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى، بأنْ يَكُون راويها أحفظ، أو أكثر صحبة للمروي عَنْهُ، أو غَيْر ذَلِكَ من وجوه الترجيحات المعتمدة، فالحكم للراجحة، وَلَا يطلق عَلَيْهِ حينئذٍ وصف المضطرب، وَلَا له حكمه»(٢). وَقَدْ أكد هَذَا المفهوم ابن دقيق العيد فَقَالَ:
«وقد أشار بَعْض الناس إلى أنَّ اختلاف الرواة في ألفاظ الحَدِيْث مِمَّا يمنع الاحتجاج بِهِ … فنقول: هَذَا صَحِيْح لَكن بشرط تكافؤ الروايات أو تقاربها، أما إذا كَانَ الترجيح واقعاً لبعضها: إما لأنَّ رواته أكثر أو أحفظ، فينبغي العَمَل بِهَا، إذ الأضعف لا يكون مانعاً من العَمَل بالأقوى، والمرجوح لا يدفع التمسك بالراجح»(٣)، وقال اللكنوي: «وإنْ لم تترجح إحدى الروايتين المختلفتين على الأخرى، بل تساوتا، فمضطربٌ، وهو الذي يختص الضعيف باتصافه به فيترك، كما إذا تعارض الحديثان تعارضاً لم يندفع بوجه من وجوه